[الكلام في أن الله - تعالى - عدل حكيم ليس في أفعاله ظلم ولا عبث ولا سفه ولا شيء من القبيح]
  العترة الطاهرة $، قد عرض للمسرفين(١) والهذرة المتمردين، وفتاك المدققين من طبقات الملحدين، فكل من يعرض به لزمه فرضه وعلم خروجه عن مقدور المحدثين، وكان في مرامه له بمنزلة من رام مسح وجه الهلال بيمينه والبعد حائل من دونه(٢).
  وقد ظهر عجز الجميع عن المعارضة، لأنهم لو قدروا لوجدت وظهرت ظهور سائر المعارضات، ونحن لا نريد بالمعجز غير ذلك كما قدمنا.
  وإعجازه للخلق موجب لكونه من فعل القادر لذاته، وظهوره على يديه دليل على صدقه فيما قال وادعى، وادعاؤه للنبوءة يعلم ضرورة على حد العلم بأنه # كان في الدنيا وصحت نبوءته لذلك؛ لأن الله - تعالى - لعدله وحكمته لا يصدق الكاذب في دعواه؛ لأنَّ تصديقه قبيح، وهو متعالي عن فعل القبيح.
  قوله: (يعجز عنه كل ذي مقال): أكد به ما تقدم، وإلا فقوله: (معجز) يتضمن معنى ذلك.
  (والمقال) هو اللفظ والكلام، من النثر والنظام، يقول كل متكلم يعجز عن الإتيان بمثله وذلك ظاهر؛ لأنه لو كان ممكناً لكان قد وقع كما نعلمه في الأشعار والخطب، فما أحد ادعى البينونة والتميز على أحد من أهل عصره إلا وعارضوه، ولم يسعهم(٣) الإنقياد لأمره، والإرتداع لزجره، وهذا كما ترى أبلغ، فلم يعارض بشعر أو غيره، إلا وقد عُورض بأضعاف ما جاء به، كإمرء القيس ومن دونه، فقد عارض إمرؤ القيس علقمة في أكثر قصائده معارضة اختلف فيها أهل المعرفة إلى يومنا هذا وإلى آخر الدهر، إلا أن القرآن الكريم - كرم الله ذكره - فما علم في أمره بشيءٍ يرفع رأس عالم بذكره.
  فإن قيل: جوزوا أنه قد عُورض، وأن المعارضة كتمت؟.
(١) في (ن، م): للمسترقين.
(٢) هذا المثل يضرب لمن يريد شيئاً محالاً غير ممكن بل من المستحيل حصوله.
(٣) في (ن، م): وإن لم يُسِمْهم.