(يتلوه الكلام في أن الإمامة في أولادهما وأنها مقصورة عليهم)
[ذكر خلاف الخوارج والمعتزلة والإمامية في الإمامة]
  فمذهب الخوارج مبني على أن الإمامة جائزة في جميع الناس ما صلحوا بأنفسهم، ولا يعتبرون للإمامة منصباً مخصوصاً، وعمدتهم في ذلك ظاهر الأوامر من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمبادرة إلى الطاعات، وبرواية يضيفونها إلى النبي ÷ أنه قال: «أطيعوا السلطان ولو كان عبداً حبشياً».
  وأما المعتزلة: فيعتبرون المنصب على غير الوجه الذي اعتبرناه؛ لأنهم يقولون بجواز الإمامة في جميع قريش، وإن كانت عندهم لا تجوز في غيرهم من سائر الناس، وعمدتهم في ذلك الخبر الذي قدمنا ذكره من رواية أبي بكر: «الأئمة من قريش».
  ومذهب الإمامية: أن الإمامة لا يُعتبر فيها منصب مخصوص، وإنما الإعتبار في ذلك بالنص الوارد عن النبي ÷ على تعيين الأئمة بالتصريح أو بالإشارة بعد تعيين العدد؛ لأن فرقة منهم ادعت على النبيء ÷ أنه ذكر كل واحد منهم باسمه وأبيه وأمه ونعته ولقبه.
  وفرقة منهم قالت: إنه ذكرهم جملة وقال: «الأئمة من ولد هذا - يعني الحسين # - بعدد نقباء بني إسرائيل» قالوا: وقد ورد النص على إثني عشر نقيباً من ولد الحسين # بمجموع القولين، هذا أصل خلافهم، ولهم فروع واختلاف لا حاجة إلى شيءٍ من ذكره؛ لأن إبطال الأصل يأتي عليه بأسره.
  قالوا: وآخر هؤلاء الإثني عشر الحسن بن علي العسكري، وكانت وفاته # سنة ستين وما ئتين، وعندهم أنه باقٍ إلى الآن، وأنه سوف يظهر ويملأ الأرض عدلاً، وينشر أمره في جميع الأقطار، وأنه لم يكن بعده من أولاد النبي ÷ إلى يومنا هذا من يصلح للإمامة، وأن الإمام يجوز؛ بل يجب ظهور المعجز على يديه، وأن العلم يكون فيه طبعاً، وأنه يجب كونه أعلم الناس بجميع المعلومات، من الغيوب والمكتسبات، وأن المعجز يظهر على يديه، وأن إمامته ثابتة وإن أغلق الباب وأرخى الستر واحتجب عن الأمة حجاباً طويلاً، وأن حاجة الأمة إليه في مصالح الدنيا