(يتلوه الكلام في أن الإمامة في أولادهما وأنها مقصورة عليهم)
  أمَّا الكتاب الكريم: فالذي يمكنهم توهم الإحتجاج به آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشفها قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ١٠٤}[آل عمران: ١٠٤].
  قالوا: فأمَرَ الله - سبحانه - بذلك أمراً واحداً عاماً، والإمام لا يراد إلا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  الجواب عن ذلك؛ أنَّا نقول: إن هذا الكلام بأن يكون عليكم أولى من أن يكون لكم؛ لأن قوله سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ}[آل عمران: ١٠٤] تدل على التخصيص للبعض منَّا، وذلك البعض المخصوص هم العترة النجباء، على ما يأتي بيانه بعون الله - تعالى - فسقط تعلقهم بالظاهر، فإن رجعوا إلى التأويل فنحن به أولى.
  وأمَّا من معنى الآية: فلأنه قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ}[آل عمران: ١٠٤]، فدل على أن المأمور جماعة، والإمامة لا تصح بالإجماع إلا لواحد، فبطل - أيضاً - تعلقهم بالآية من جهة المعنى.
  وأمَّا الذي يدل على بطلان تعلقهم بهذه الآية من جهة الحكم: فلأنَّا نقول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كانت الإمامة تأتي عليهما لدخولهما في أعمالها، وهما مما يصح قيام الأمة بهما مع فقد الأئمة كما قدمنا.
  والإمامة تنفرد بأحكام أخر نحو: قطع السارق على وجه دون وجه، وقتل الزاني على وجه دون وجه، إلى غير ذلك مما لا يجوز لغير أئمة الهدى بما نبينه بمشيئة الله آخراً.
  ومما يلحق بذلك مما يتعلقون به قول الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ١٠ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ١١}[الواقعة]، فحض على المسابقة بالترغيب فيها، وتفخيم حال فاعلها.
  وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ١٣٣}[آل عمران].