شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[التحذير من الحسد]

صفحة 310 - الجزء 1

  ذلك، وهو عز من قائل يقول رداً على المشركين: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٥٢}⁣[الزمر].

  ويقول عز من قائل: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ٣٢}⁣[الزخرف].

  وقال في آية أخرى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ١٢}⁣[الشورى].

  فتأمّلوا - رحمكم الله - كيف رتب سبحانه الإحتجاج في هذه الآيات على المشركين؛ فتارة بالتقديم لهم مما لا يمكنهم إنكاره؛ وذلك ظاهر في قوله: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا}، وتارة لتقريعهم بالعجز عن قسمة رحمته؛ لأنه لا يقدر على قسمتها إلا هو، ثم أخبر بعد ذلك أنه رفع بعضهم فوق بعض درجات؛ وهذا تصريح بما ذهبنا إليه، ثم أخبر أن رحمته في الآخرة خير من جمع مال الدنيا، فحرَّضَ من طريق المعنى على الإنفاق في سبيله.

  وقوله: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}⁣(⁣١) [الزخرف: ٣٢]، تنبيه على الإقبال على طاعته وطلب الخير من عنده؛ لأن المعلوم من حال أهل الدنيا أنهم إذا رأوا عبداً من عبيده - سبحانه - قد وسع عليه من متاع الدنيا وأرغد عيشه فيها؛ إجتهدوا في إنصافه،


(١) وعاشرها: سأل - أيده الله - عن قوله سبحانه: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا}⁣[الزخرف: ٣٢]، وعن الغرض وما السخري؟

الجواب عن ذلك: أن السخري هو: التذلل؛ سخره الله إذا ذلَّله، ولما كان من استهزأ بغيره فكأنه استذله قيل تسخره فما تصرف من هذه اللفظة فهو يرجع إلى هذا المعنى.

وذلك أن الحكيم سبحانه أراد ظهور الحاجة في الخلق ليقع الإعتراف بالعبودية؛ لأن المحتاج لا يكون إلهاً فالغني قد اتخذ الفقير سخرياً لحاجته إليه، والفقير سخرياً للغني مثل ذلك، والبعض يحتاج إلى البعض، الأعلى إلى الأسفل، والأسفل إلى الأعلى؛ فإذاً الذي تحق عبادته هو الغني لذاته عن كل ذات، كامل النعوت والصفات سبحانه وتعالى.