شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[في قصر الأمل وذكر الآجال]

صفحة 324 - الجزء 1

  أمَّا قساوة القلب: فقد روينا عن رسول الله ÷ أنه قال: «أذكروا الموت، وكونوا من الله - تعالى - على حذر، فمن كان يأمل أن يعيش غداً فإنه يأمل أن يعيش أبداً، ومن كان يأمل أن يعيش أبداً يقسو قلبه»⁣(⁣١) وصدق ÷ وبلّغ، ونحن على صدقه من الشاهدين، فما ظنك بمن يأمل أن يعيش مائة وعشرين سنة!؟، وإنما أطلق جدنا القاسم ~ هذه اللفظة في شأن الغائب وميراثه، والقدر الذي ينتظر فيه أمره، ورأى # أن العادة جرت من الله - تعالى - بأن أحداً من هذه الأمة لم يعمر أكثر من ذلك، ولم يقل بأن من مات قبل ذلك فلم يمته الله - تعالى - ولا يوجد هذا القول لأحد من الأمةقبل حدوث هذا القول فضلاً عن الأئمة $، فما ظنك باعتقاد أدى إلى قساوة القلب!؟، فنسأل الله - تعالى - الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد.

  وأما ما ذكرنا من إحباط الأجر وعظم الوزر: فذلك لما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب # في كتاب (نهج البلاغة) وقد مات للأشعث بن قيس ولد، فعزاه # عنه فقال: «يا أشعث؛ إن صبرت جرى عليه القدر وأنت مأجور، وإن جزعت جرى عليك القدر وأنت مأزور، يا أشعث سرك وهو بلاء وفتنة، وغمك وهو ثواب ورحمة».

  فقد رأيت خروجنا عن عهدة ما تكلمنا به بقول من لا إيمان إلا باتباع قوله، وهو محمد ÷ ووصيه علي بن أبي طالب - سلام الله عليه، ورضوانه - وهذا القدر كافٍ لمن نظر بعين بصيرته، وطلب نجاة نفسه، وفزع إلى من أمره الله بالفزع إليه من عترة نبيئه - ، وعليهم -.

  قوله: (وادخر الأجر لدار أخرى): بنيتها على أن هذه الأرزاق لا تجري مجرى المستحقات، ولا ترمى من موضع الإستحقاق؛ بل تقع مطابقة لإرادة الحكيم في باب


(١) رواه الإمام أبو طالب في الأمالي ص (٤٣١) عن ابن مسعود.