شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

[كلام الإمام الهادي إلى الحق (ع) في التفضيل]

صفحة 392 - الجزء 1

  ومنهم من يوسع عليه في القوت، ويأمره بالإنتهاء إلى مبلغ شهوته، ومنهم من يُطعمه حلواً، ومنهم من يُطعمه مراً، ومنهم من يُحرمه الماء، ومنهم من يبيح له شربه، إلى غير ذلك، لما حسن منا الإعتراض عليه في شيء من ذلك ولا حسن - أيضاً - لمن أتاه بالحنظل أن يقول لم لاتسقني العسل عوضاً من هذا؟ ولم أمرتني بالإمتناع من أكثر المعايش وقربتها إلى غيري؟ والله - تعالى - أولى أن تسلم له الحكمة⁣(⁣١)، وأن لا يعترض عليه في شيءٍ من فعله، وكل من أنكر ذلك لم يمكنه الإنفصال عن (شبهة⁣(⁣٢)) اليهود - لعنهم الله تعالى - لأنهم قالوا إن الله - تعالى - سوى بين عباده في التعبد، وإن المخالفة فيه توجب البَدا عليه، وهو لا يجوز.

  قلنا: أمَّا البدا فلا يجوز عليه لعلمه بجميع المعلومات، وأما المساواة في التعبد فلا تجب؛ لأن التكليف إنما وقع لمصالح العباد، ولا يمتنع في علمه إختلاف المصالح بالأشخاص والأوقات، وكذلك مخالفته - تعالى - بين عباده في الأرزاق، والأحوال من الصحة والسقَم، والشباب والهرَم، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، لمصالح يختص بعلمها مفصلة، ونحن نعلم على سبيل الجملة أنها حكمة لوقوعها من جهة الحكيم تعالى، وقد صرح بذلك الهادي # فيما رويناه عنه في الفصل المتقدم.

  [١٧]

  ثُمَ أَبَانَ بعدُ في الكفاءهْ ... ما قَدْ رَأيْنَا والورى سَنَاءهْ

  فَلَم نُفَارِقْ أَبَدَاً ضِيَاءَهْ ... إذ نَحْنُ لا نَبْغِي الهُدَى وَرَاءهْ

  عقب كلامه # في الفصل الأول بدلالة قوله # في مسألة الكفاءة وهي مودعة كتبه في الشريعة، والعلماء بعده مطبقون على روايتها عنه، ومن


(١) في (ن): حكمته.

(٢) في (ن، م): شبه.