[ذكر طرف من أمر الإمام الناصر أحمد بن يحيى (ع)]
  لغابَه، وكان عدة المحقين تقرب من أربعة آلاف، فأمَّا الظالمون فلم ينحصر عددهم، فاقتتل الفريقان قتالاً شديداً لم ير قبله مثله، وقال رجل من قواد هَمْدَان(١) لأصحابه: (يا معشر هَمْدَان أنتم أنصار الحق، وأجناد الأئمة، وعلى أيديكم تقع فتوح المحقين، فوالله لإن لم أنظر إلى هذه المضارب - وكانت مضارب الظالمين قبالهم - خرقاً في أيديكم من آخر نهاري هذا ما العيش بعيش، ولا الحياة بحياة، فكونوا عند ظني)، فأعادوا عليه قولاً جميلاً وأثنى عليهم وقال: (فإني لا أزال أتقدم فلا تأخروا عني وأنا ألزمكم عهد الله من رآني صريعاً لا وقف عليَّ، ولا أعلم أحداً من المؤمنين بمصرعي حتى تكون أيديكم العليا)، فوفى - رحمة الله عليه - بما قال وصرع، ووفوا بما ألزمهم من التقدم، ووفى الله - سبحانه وتعالى - بما وعدهم به من النصر في قوله: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ ١٧٣}[الصافات]، فقتلوهم بإذن الله، وقتل منهم خلق كثير لم ينحصر عددهم؛ إلاَّ أن بعض من حضر تلك الوقعة من كبار المؤمنين لا أدري أحمد بن محمد السَّوداني الصَّايدي أو غيره، إلتبس عليَّ إسمه، قال: (وقَّفْتُ فرسي في بعض تلك الأماكن في حال تلك الحُطَمة فشهدت على شعاب تجري دماً، ورأيت ظبياً مقتولاً، قال: وأخبرني بعض أصحابنا أنه رأى ظبياً مقتولاً أو ظبيين في مكان آخر).
= وحتف القرين، صاحب المناقب والمقانب، الأسد الباسل مؤلف سيرة الناصر للحق أحمد بن الهادي، كان عالماً عاملاً مقداماً في كل فضيلة مجرباً، يقود العساكر، له الوقائع الغر التي تشهد بوفائه وشجاعته وإقدامه ونصره لأهل البيت $ وكان عبد الحميد القرمطي يتجرم منه كثيراً.
وكان منهم أيضاً: عبدالله بن محمد السعدي كان من أفاضل أصحاب الإمام الهادي # وأخيارهم وذوي السابقة والمساعدة، وأهل البصائر، وهو من بني سعد بن بكر، وكان له المنزلة الرفيعة عند المرتضى محمد بن الهادي، وكان أحد قواد العساكر الناصرية يوم نغاش، وأبلى بلاء حسناً، وكان من أهل السن العالية، وجرح في ذلك اليوم جراحة مثخنة، وكان يقول لأصحابه اثبتوا وإذا مت فهذا محل قبري.
(١) في الحدائق الوردية: هو شعيب بن محمد السبيعي الأرحبي.