[بيان كثرة وقائع الإمام الهادي إلى الحق (ع)]
  (والحملة الصادقة) هي التي لا يرجع صاحبها من دون العدو بل تَصِلُهُ وتنكى(١) فيه وكانت تلك عادته #، وقد كان يُعَدُّ لألف إنسان.
  لأن في الحديث أن القرامطة - لعنهم الله - لما اشتدت شوكتهم، ووفرت جماعتهم، وكثرت عدتهم، وتجهز # لقتالهم رأى من أصحابه ميل الإنكسار لقلة عددهم وكثرت عدوهم، وكانت عدة أصحابه في ذلك الوقت ألف مقاتل بين فارس وراجل، فقال: أتجبنون عن لقاء عدوكم وأنتم ألفا رجل!؟
  فقالوا: إنما نحن ألف واحد.
  فقال: أنتم ألف وأنا أقوم مقام ألف وأكفي كفايتهم، فعلموا صدق مقاله، لما علموا من حميد فعاله، وصدق قتاله، واشتدت قلوبهم، وانبسطت وجوههم، وأنسوا من وحشتهم، لما نبههم على أمر كانوا في حكم الغافلين عنه، فقال له أبو العشائر عند ذلك: يا ابن رسول الله ما في الفرسان أشجع منك، ولا في الرجالة أشجع مني، فانتخب ثلاثمائة من الرُّجَّلِ والفرسان وبيت بنا القوم، فاستصوب رأيه وفعل ذلك فقتلهم قتلة هائلة، وهزمهم هزيمة مجلية.
  وكذلك فإن العساكر لما توالت عليه بريدة وهو في قلة من أصحابه، فلما جاؤهم من كل جانب وظنوا أنهم قد أحيط بهم، إنهزمت رجالته # الجبل، وخيله القاع نحو النقيل، فبقي وحدهُ في عدة يسيرة من خاصة أصحابه، فحملوا من ناحية، وحمل من ناحية غير مستوحش ولا منكسر؛ بل تلقى تلك الجموع بنفسه، وعمدتُه يقينُه، فما قام له فارس إلاَّ صرعه، ولا صمد بكتيبة إلاَّ كشفها وبددها، وأركب آخر ذلك الجمع أوله، وكان قتاله في ذلك اليوم بسيف جده علي بن أبي طالب، فلما رأى أصحابه هزيمة تلك الجنود وكانوا قد أيسوا منه # تعاطفوا فأتوا وهو على أحسن حال فأكبوا عليه تقبيلاً وإستحلالاً، فحللهم ولحق بهم القوم، فما زال السيف
(١) نكى في العدو: قتل فيهم وجرح، تمت صحاح.