تراجم رجال الكتاب
  قال: أجلسكم الماء إلى واسط، ثم آخذ بكم على طريق الكوفة، ثم على الفرات إلى الشام. فأجابوه فأجلسهم في السفينة، وصيّر معهم أعوان أبي الساج أمناء عليهم ومضوا.
  ولما كان في بعض الطريق قال لهم: أتقدّمكم إلى واسط لإصلاح بعض ما نحتاج إليه من سفرنا من كراء أو غيره، ومضى هو والبربري فركبا دواب البريد وأوصى الموكلين بهما ألّا يعلمونهم بشيء ولا يوهمونهم أنهم من أصحاب السلطان، وأن يحتاطوا عليهم ما قدروا، ففعلوا ذلك ومضوا. فلما كانوا ببعض الطريق حبسهم أصحاب الصدقة وقالوا: لا تجوزوا، فصاح بهم الموكلون: نحن من أصحاب أبي الساج وأعوانه جئنا في أمر مهم، فخلوا عنهم، وانتبه أحمد بن عيسى وأصحابه لذلك، فلما جاوزوا قليلاً قال لهم أحمد بن عيسى: أقدموا إلى الشط لنصلّي. فقدم الملاحون، وخرجوا، فتفرقوا بين النخل وتستروا بها وأبعدوا عن أعين الموكلين، والموكلون في الزورق لا يوهمونهم أنهم معهم، فلما بعدوا عن أعينهم جعلوا يحضرون على أقدامهم حتى فاتوهم هرباً وبعدوا عنهم. وطال انتظار الموكلين بهم، فلم يعرفوا خبرهم وما الذي أبطأ بهم، فخرجوا يطلبونهم، فلم يجدوهم، وتتبعوا آثارهم وجدّوا في أمرهم، فلم يقدروا عليهم، فرجعوا إلى الزورق خائبين حتى أتوا واسط، وقد قدمها عيسى صاحب بريد أصبهان الذي دبّر على القوم ما دبّر، وقد وجّه معه الرشيد ثلاثين رجلاً ليتسلّم أحمد، فأخبروه ما كان، فقال: لا والله ولكن ارتشيتم وصانعتم وداهنتم، وقدم بهم على الرشيد فضربهم بالسياط ضرباً مبرحاً، وحبسهم جميعاً في المطبق، وغضب على أبي الساج دهراً حتى سأل فيه أخوه الرشيد، فرضي عنه بعد أن كان قد همّ بقتله.
  ومضى أحمد بن عيسى وأصحابه فرجعوا إلى البصرة، فلم يزالوا مقيمين حتى مات أحمد بن عيسى، وذلك في سنة سبع وأربعين ومائتين.