(36) مسألة: غسل اليدين قبل الاستنجاء
  وكيف لا يرون من لم يغسله عنه من مجرده وهو هنالك نجس غير متطهر، وهم يزعمون ألا طهارة لمن كان في جسده أو ثوبه منه أصغر أثر، أفيتنجس عندهم منه بالقليل الأصغر، ويطهر في حكمهم منه مع الكثير أكثر، فأي منكر أنكر؟ عند من يعقل أو يفكر؟! مما قالوا أو ذكروا، وقبلوا فلم ينكروا! فلقد كان أهل الجاهلية الأولى، ومن كان لأكل الميتة مستحلاً، وإنه ليغسل عنه في جاهليته أثر البول والعذرة، وكيف لا يغسله وهو يغسل تنظفاً غيره من الأشياء القذرة، وهما أقذر الأقاذير قذراً، وأنتنه ريحاً وأقبحه منظراً، وإن كانوا أهل الجاهلية إذا طافوا ببيت ربهم، ليلقون ما عليهم من ثيابهم، تطهراً لله بطرحها في طوافهم، فأين هذا مما في أيدي الجاهلية من اختلافهم؟ وما يقولون به في البول والقذرة على من مضى من أسلافهم، ويضللون من أتي وخلف بعدُ من أخلاقهم؟! فنعوذ بالله من الجهالة في دينه والعمى، ومن العبث بما قالوا لمن كان مسلماً، فلو ما قيل به من ذلك في السلف، قيل به في مشرك كان مشهوراً بأكل الجيف، لعده عيباً فاحشاً كبيراً، ولو أن ما يأكل معه من الجيف صغيراً؛ فكيف يقال به أو بمثله في مسلم أو إسلام؟! أو يُتوهم حكماً أو جائزاً عند ذي الجلال والإكرام؟! وهو بحكم لا شريك له، على كل مسلم في الدم بأن يغسله، والدم أطيب ريحاً وأنقي منظراً، وأقل - عند من يعقل أو لا يعقل - نتناً وقذراً.
  وكذلك الخمر وما يلزم غسله من الأنجاس كلها، فليس منه شيء كالعذرة في نتنها وقذرها، ولربما ظننت أنه ما وضع هذا القول ولا أصَّله، إلا من كان يستحله الإسلام وأهلهُ، ممن وتره المسلمون والإسلام، وكانت