(89) مسألة: من نام في صلاته
  قلنا: للتبيين بحمد الله المنير، ولأوضح بيان قيل بمثله في تفسير، لأن الله سبحانه حرم قليل البول وكثيره، فَأَلزَمْنا كل من توضأ غسله وتطهيره، وأنه لم يحرم من الدم إلا ما كان مسفوحاً، فكفى في هذا فيما فَرَقنا بينه وضوحاً، والمسفوح من الدماء، من كل ما سال أو قطر، أو جرى فتحدر، فلولا أن المحرم من الدماء هو المسفوح بعينه، وأن الله سبحانه بيَّن ذلك وشرحه بحكمته وتبيينه، لما جد الرسول ÷ ولا غيره ممن أكل لحماً، أن يكون في أكله له معه دم؛ لأنه ليس من لحم قليل ولا كثير، لا من الأنعام ولا من الطير، إلا وبين أضعافه لا محالة دم، فسبحان مَن حَكَم فيه حُكْمَ مَن يعلم.
  فلم يحرمه تبارك وتعالى منها تحريماً مبهماً، فيكون بذلك لما أحل من بهيمة الأنعام محرماً، فيتناقض أمره فيه وحكمه، ولا يفهم عنه مُحلَّلُه أو محرَّمُه، ولكنه فرق بينه سبحانه ففصله، ونزل كل حرام منه وحلال منزله، وليس في شيء منه تقصير ولا فرط، ولا يعرض لأحد مع حسن نظر فيه حيرة ولا غلط. فقال سبحانه: {إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمٗا مَّسۡفُوحًا}[الأنعام: ١٤٥]، فبين تحريمه فيه بياناً مشروحاً، فهذا ما به فرقنا بين قليل العذرة والبول، وله ومن أجله صرنا فيه إلى ما صرنا إليه من القول، وكل شيء من الدماء كلها وإن قل كان في عضو من أعضاء الوضوء، غسل ذلك كله أو مسح حتى ينقى منه جميع ذلك العضو، فلا يرى منه فيه أثر، ولا يبقى فيه منه دنس ولا قذر، لأن الله سبحانه أمر بغسله، فأوجب الغسل الذي هو الإنقاء على كله(١).
(١) كتاب الطهارة، ضمن مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم: ٢/ ٥٠٦ - ٥٠٧.