القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[الفعل المتعدي في سياق النفي عام في مفعولاته فيصح تخصيصه أم لا]

صفحة 181 - الجزء 1

  هو مقتضى العموم، إلا أنه عندنا عام لفظي يقبل التخصيص كسائر العمومات، وعنده عام عقلي لا دخل فيه للإرادة ولا تتجزأ نسبتها.

  لنا: أن لا أكل لنفي حقيقة الأكل، وإنما يتحقق بنفيه بالنسبة إلى كل مأكول، ولذا يحنث بأي أكل اتفاقاً وذلك هو معنى العموم فوجب قبوله للتخصيص كما لوصرح به.

  قالوا: لا يقبل ذلك إذ هو لحقيقة الفعل لا بالنسبة إلى شيء، إذ لو كان عاماً في مفعولاته لعم في سائر المتعلقات كالزمان والمكان فيقبل التخصيص فيها.

  (قلنا) بل هو للحقيقة (بالنسبة إلى مفعوله) إذ لا يتحقق إلا بذلك كما ذكرنا، وإنما لم يقبل التخصيص في غيره؛ لأن المفعول به مقدر لوجوب تعقله، ولذا قيل المتعدي مالا يعقل إلا بمتعلقه، فكان كالمذكور، وهو قولك لا أكلت شيئاً، ولا نزاع في أنه لو ذكر لكان عاماً وقابلاً للتخصيص، وأما غيره فإنه كالمحذوف لا يلحظ عند الذكر.

  ونعلم مما ذكرنا أن مأخذ النزاع أن المفعول به محذوف كما أن غيره من المتعلقات من قبيل المحذوف عند الذكر اتفاقا أو مقدر لأنه ضروري للفعل المتعدي دون غيره وكلاهما واردان في فصيح الكلام، أما الحذف فكقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٦٦}⁣[آل عمران] وقولهم فلان يعطي ويمنع، وأما التقدير فكما في قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا}⁣[آل عمران: ٣]، إنما الكلام في أن الظاهر عند الإطلاق هو الحذف أو التقدير فالاستدلال على أنه لنفي الحقيقة ويقتضي العموم بمعنى النفي عن كل مفعول لا يكون وارداً على محل النزاع لاتفاق الفريقين على ذلك، بل يجب أن يقام الدليل على أن الظاهر هو التقدير ليكون في حكم الملفوظ فيقبل التخصيص.