[هل يجوز النسخ في الأخبار كالأوامر]
  (قلنا:) إنما ذهبنا إلى أنه (يصح) فيها، (إذا جاز التغير في مضمونها، نحو أن يخبر النبي ÷ بأن فلأنا كافر)، فيجوز لنا أن نخبر بذلك.
  (ثم يسلم فيخبر) ÷ (بأنه مسلم)، فيجوز لنا الإخبار بذلك، ويحرم الإخبار بأنه كافر، وقد نسخ الخبرُ الخبرَ لجواز التغير في مدلوله.
  (ولا) نذهب إلى أنه (يصح فيما لا يتغير) كوجود الصانع وحدوث العالم.
  وقد يقال: إنه يفهم مما علل به الشيخان الوفاق وعدم النزاع بين المعتزلة والشقاق، مع أن الكلام في أصل هذه المسألة عار عن الإتساق، فالأولى في تحرير محل الخلاف، والأجود في ذلك وهو الإنصاف، هو أن يقال لا يجوز عند المعتزلة نسخ تكليفنا بالإخبار بشيء بتكليفنا بالإخبار بنقيض ذلك الشيء في جميع الصور، بل فيما يتغير خاصة؛ لأن أحدهما كذب فالتكليف به قبيح.
  وعند الأشاعرة(١) أنه يجوز ذلك على أي وجه كان، كما إذا قال أخبر بأن النار محرقة ثم يقول أخبر بأن النار ليست محرقة بناء على أصلهم الفاسد، ومذهبهم الكاسد من أنه لا حكم للعقل، ولا معنى لتمشية الجدال المقام على غير هذا المنوال، ولذا عدل إلى شيء منه المصنف، حيث قال متجانفاً عن الإجمال إلى التفصيل منخرطاً مقاله في سلك التحصيل.
  (قلت: أما النسخ بالنهي عن) إيقاع (لفظة) مخبراً (بعد الأمر به) كذلك، (أو العكس) وهو الأمر بالإخبار بالشيء بعد النهي عن الإخبار به (فيجوز مطلقا)، سواءً كان مدلوله عقلياً، أو عادياً، أو شرعياً، كوجود الباري، وإحراق النار،
(١) الأشاعرة: أصحاب أبي الحسن عمرو بن أبي بشر الأشعري. وهم أقوى المجبرة وأكثرهم اتساعا. (مقدمة البحر الزخار: باب الملل والنحل ص ٤٩). وهم يثبتون الأسماء، وبعض الصفات، فقالوا: إن لله سبع صفات عقلية يسمونها (معاني) هي (الحياة، والعلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر والكلام ٩ وهي مجموعة في قول القائل: [حي عليم قدير والكلام له إرادة وكذلك السمع والبصر]). (توحيد الأسماء والصفات/١/ ٢٢). تمت نقلاُ من المكتبة الشاملة.