أمالي الإمام أحمد بن عيسى،

محمد بن منصور المرادي (المتوفى: 290 هـ)

ترجمة الإمام أحمد بن عيسى #

صفحة 48 - الجزء 1

  فإن شئت أن تخرج معي فافعل، فإني سأستظهر لك بشيء أفعله تطيب نفسك به، فاخرج فاتبعني فإنك إن لم تفعل لم تبق بعدي سليماً.

  ثم خرج أحمد بن عيسى فأخذ جرّة فشالها ليشرب منها، ثم رمى بها من قامته فما تحرّكوا، وخرج لوجهه، وتبعه القاسم، فلما صار خارج الدار خالف كل واحد منهما طريق صاحبه، وافترقا واتّعدا لموضع يلتقيان فيه.

  فلقي أحمد بن عيسى مولى للفضل بن الربيع، فدنا يتعرّفه، فعارضه في الطريق. فصاح به: تنحّ يا ماصّ كذا وكذا، فخافه فتنحّى وظنّ أنه أُطْلِقَ، وجاء إلى الدار التي كان فيها محبوساً فنظر إلى الحرس وهم نيام فأنَّبَهم وسألهم عن الخبر، فأيقنوا بالشرّ، ومضوا في طلب الرجلين، ففاتاهم فلم يقدروا عليهما.

  ومضى أحمد بن عيسى حتى أتى منزل محمد بن إبراهيم الذي يقال له: إبراهيم الإمام، فقال لغلامه: قل له أحمد بن عيسى بن زيد، فدخل الغلام فأخبره، [وعَرَّف مولاه الخبر] فقال له: ويحك هل رآه أحد؟ قال: لا، قال: أدخله، فدخل فسلّم عليه وعرّفه الخبر وقال له: لقد رأيتكَ موضعاً لدمي، فاتقّ الله فيَّ. فأدخله منزله وستره، ولم يزل مدّة ببغداد مستتراً، وقد بلغ الرشيد خبره، فوضع الرصد في كل موضع، وأمر بتفتيش كل دار يتّهم صاحبها بالتشيع وطلب أحمد فيها، فلم يزل ذلك [دأبه] حتى أمكنه التخلّص، فمضى إلى البصرة فأقام بها.

  وقد اختلف أيضاً في تخلّصه كيف كان، فلم نذكره كراهة الإطالة، إلّا أن أقرب ذلك إلى الحق ما ذكره النوفلي من أن محمد بن إبراهيم كان له ابن منهوم بالصيد، فدفع إليه أحمد بن عيسى، وأقسم عليه أن يخرجه في جملة غلمانه متلثماً متنكراً، ولا يسأله عن شيء حتى يوافي به المدائن، ويخرجه عنها إلى نحو فرسخ من خارجها، وينتظر حتى يمرّ به زورق منحدر فيقعده فيه ويحدره إلى البصرة، ففعل ذلك، ونجا أحمد فمضى إلى البصرة.