أمالي الإمام أحمد بن عيسى،

محمد بن منصور المرادي (المتوفى: 290 هـ)

تراجم رجال الكتاب

صفحة 49 - الجزء 1

  رجع الحديث إلى حكاية هارون بن محمد: قال: ثم إن الرشيد دعا برجل من أصحابه يقال له: ابن الكردية، واسمه يحيى بن خالد فقال له: قد وليّتُكَ الضياع بالكوفة، فامضِ إليها وتولّ العمل بها، وأظهر أنك تتشيع، وفرّق الأموال في الشيعة حتى تقف على خبر أحمد بن عيسى.

  فمضى ابن الكردية هذا ففعل ما أمر به، وجعل يفيض الأموال في الشيعة ويفرّقها عليهم ولا يسألهم عن شيء، حتى ذكروا له رجلاً منهم يقال له: أبو غسان الخزاعي، فأطنبوا في وصفه، وأعرض عنهم ولم يكشفهم عنه إلى أن ذكروه مرة أخرى فقال: وما فعل هذا الرجل؟ إنا إليه لمشتاقون، قالوا: هو مع أحمد بن عيسى بالبصرة، فكتب بذلك إلى الرشيد، فأمره بالرجوع إلى بغداد، ثم ولّاه البصرة مثل ما كان ولّاه بالكوفة، فمضى إليها.

  وكان مع أحمد بن عيسى بن زيد رجل من أصحاب يحيى بن عبدالله يقال له: حاضر، وكان ينقله من موضع إلى موضع، حتى أنزله في دار يقال لها: دار عاقب في العتيك، وكان لا يظهره لأحد، ويقول: إنما نزل في تلك الناحية هرباً من دَيْنٍ عليه. قال: فحدثني يزيد بن عيينة أنه كان يخرج إليهم فيقول لهم: [عليّ دين] ويسألهم. قال: فيقولون له: لو طلبك السلطان لم يقدر عليك فكيف لمن له عليك دين. قال: وجاء ابن الكردية هذا إلى البصرة ففعل ما فعله بالكوفة، وجعل يفرّق الأموال في الشيعة حتى ذكروا له حاضراً وأحمد بن عيسى، فتغافل عنهم، ثم أعادوا ذكره بعد ذلك، فتعرّض لهم بذكره ولم يستقصه، ثم عاودوه فقال لهم: إني أحبّ أن ألقى هذا الرجل، فقالوا له: لا سبيل إلى ذلك. قال: فاحملوا إليه مالاً يستعين به، وأعلموه أني لو قدرت على أن أعطيه جميع مال السلطان لفعلتُ، فأخذوا المال وحملوه إلى حاضر فقَبِلَه، وجعل ابن الكردية يتابع الأموال إلى حاضر بعضها ببعض حتى أَنِسُوا به واطمَأَنّوا إليه، فقال لهم يوماً: ألا يجيئنا هذا الشيخ؟ فقالوا له: لا يمكن ذلك. قال: فليأذن لنا نأته نحن.