القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[ألفاظ العموم]

صفحة 124 - الجزء 1

  العموم كما علمت معناه الشمول والاستغراق بذلك الذي استصلحه اصطلاح جديد لا يعرف له مستند لا عقلا ولا نقلا.

  (لنا) أن السيد إذا قال لعبده: لا تضرب أحدا، ولا تشتم رجلا، فهم منه العموم، حتى لو ضرب أو شتم واحدا عد مخالفا، وكذا في الخبر مثل: ما ضربه أحدٌ، حتى لو كان ضربه واحدٌ كان الكلام كاذبا، والتبادر دليل الحقيقة، فتكون النكرة في سياق النفي للعموم حقيقة.

  وأيضًا لنا: الاتفاق على أنه إذا قال من دخل داري فهو حر أو فهي طالق، أنه يعم العبيد والنساء.

  وأيضاً لنا: (صحة إجابة من عندك بكل عاقل دون غيره من الحيوانات، وصحة استثناء كل عاقل) على جهة البدلية نحو، من أكرمته أكرمته إلا الجهال، (وهو إخراج بعض من كل)، فلو لا أن من يعم جميع العقلاء لما كان كذلك.

  وقد يقال: إنه يصح الاستثناء مما لا عموم فيه نحو، أكرم الرجال المعهودين إلا زيداً؛ لأن حقيقته وهو إخراج بعض من كل يحصل مع العموم ومع عدمه، فلا تدل صحته على العموم.

  وأيضاً لنا: كثرة الوقائع التي أُستعمل فيها الصيغ للعموم واستدل بها عليه ما ذكرناه وما لم نذكره، وهي تفيد لمن يَتَتَبَّعُها العلم بأنها ظاهرة في العموم، وذلك نحو لا إله إلا الله، فإنه يفهم منه نفي جميع ما سوى الله، ونحو اعتراض ابن الزبعرى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}⁣[الأنبياء: ٩٨] بقوله: أليس قد عبدت الملائكة والمسيح، وذلك أكثر من أن يحصر.

  واعترض بأن العموم إنما فهم بالقرائن.

  قلنا: فتح هذا الباب يؤدي إلى أن لا يثبت للفظ مفهوم ظاهر لجواز أن يفهم بالقرائن فإن الناقلين لها لم ينقلوا نص الواضع، بل أخذوا الأكثر من تتبع موارد