القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[تراخي الاستثناء:]

صفحة 140 - الجزء 1

  ولا يوجد فيه تأخير الاستثناء.

  لنا: لو صح انفصال الاستثناء لما قال ÷: «من حلف على شيء ثم رأى غيره خيراً منه فليعمل به وليكفر عن يمينه» معيناً بل كان يقول أو ليستثن فيوجب أحدهما لا بعينه لأنه لا حنث بالاستثناء مع كونه أسهل؛ فكان ذكره أولى، وإذا لم يذكره معيناً، فلا أقل أن يخير بينهما لعدم وجوب شيء منهما معيناً، وكذلك جميع الإقرارات، والطلاق، والعتق، كان ينبغي أن يستثنى منها نفياً لأحكامها بأسهل الطرق والإجماع بخلافه كيف ونحن نقطع أنه لو قال علي مايه وقال بعد شهرٍ مثلاً إلا عشرةً لم يعد كلامه منتظماً وحكم عليه بأنه لغو.

  قالوا أولاً: يروى أنه ÷ قال: «لأغزون قريشاً» ثم سكت، ثم قال: «إن شاء الله تعالى»، ولولا صحته لما أرتكبه.

  فإن قيل: إن انشاء الله شرط لا استثناء.

  قلنا: إنهم اتفقوا على أنه لا فرق بين الشرط والاستثناء.

  (قلنا:) يحمل على أنه سكت لعارضٍ من تنفسٍ، أو سعالٍ، أو نحو ذلك لما ذكرناه، ولأنه لو صح ما ذكرتم (إذن) لكنا (لا نقطع بمضمون جملة) لجواز أن يرد عليها استثناء فيصرفها عن ظاهرها إلى ما يصيرها صادقة، وإن كان ظاهرها الكذب وبالعكس.

  قالوا ثانياً: إن ابن عباس كان فصيحاً قدوة في اللغة، وقد قال بجواز تأخير الاستثناء.

  قلنا: إن قوله متأول بأنه يُسمع ولو بعد حين دعوى نية الاستثناء من المتكلم فيما بينه وبين الله، أو لأنه لو ذكر بعد حين الاستثناء المأمور به، وهو التعليق بمشية الله بأن يقول أولاً افعل ثم يقول بعد شهر مثلاً: أفعل إن شاء الله تعالى لكان ممتثلاً للأمر المستفاد من قوله: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ٢٣ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ...}