[ورود المطلق والمقيد في حكم واحد حكم بالتقيد إجماعا]
  وإنما حمل المطلق على المقيد لأن العمل بالمقيد يلزم منه العمل بالمطلق لا العكس لحصول المطلق في ضمن غير ذلك المقيد فيكون جمعاً بين الدليلين وأيضاً فانه يخرج عن العهدة بيقين سواء كان مكلفاً بالمطلق أو بالمقيد، بخلاف العكس إذ قد يكون مكلفاً بالمقيد فلا يعمله فلا يخرج.
  وقد يقال: أن قوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}[النساء: ٩٢]، مثال للمقيد إذ لا اطلاق هنا فلا معنى لجعله مثالاً للمطلق والمقيد المتصل به.
  وكيف يحكم على شيء واحد هو رقبة بحكمين متغايرين وهما الاطلاق والتقييد.
  ولو سلم فلا يكون المطلق غير رقبة، وهو كما علمت ذات المقيد ونفسه، فلا ينبغي أن يجعل ذلك من قبيل اتصال المقيد بالمطلق، إلا لو كانا غيرين، وقد تحقق انتفاء المغايرة، ولا يخفى أن مؤمنه إنما هو قيد لا نفس المقيد، فلا يجاب بذلك.
  واعلم أنه لابد أن يكون التقييد في خطاب غير خطاب المطلق، أو يكون الخطاب مقيداً من أصله، وأيضاً فان في التمثيل بقوله ÷: «في خمس من الأبل ... الخ» نظراً فإنما ذلك من قبيل العموم والخصوص، ثم اعلم أنه قد اختلف في حمل المطلق على المقيد.
  فقيل: إنه من قبيل النسخ بمعنى أنه أريد الاطلاق فوقع وانتهى، وهذا حيث كان قد عمل بالمطلق المتقدم أو أمكن العمل به، وإلا فلا على ما في جواز النسخ قبل الإمكان من الخلاف.
  قيل: بل من قبيل البيان، بمعنى أن التقييد يدل على أن المراد بالمطلق كان ذلك المقيد، لأنه لو كان التقييد نسخاً؛ لكان كل تخصيص بمعنى قصر العام على البعض نسخاً؛ لأنه مثله في نقض الشيوع وقطع الحكم عن بعض الافراد، بل ذلك في التخصيص أولى، وليس كذلك بالاتفاق.