القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[تخصيص العام بالمفهوم]

صفحة 163 - الجزء 1

  ومثال الأول: وهو ما يكون السبب سؤالاً (كقوله ÷: حين سئل عن بئر بضاعة «خلق الماء طهوراً) لا ينجسه شيء إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه».

  وكقوله: وقد سئل (عن شاة ميمونة⁣(⁣١)) وقد ماتت: هل ينتفع بإهابها («أيما إهاب دبغ فقد طهر»)، هكذا ذكر #.

  والذي في المنتهى وغيره أنه مر بشاة ميمونة فقال ذلك من غير سؤال فيكون على هذا مثالاً للثاني وهو ما يكون السبب غير سؤال.

  (بعض الشافعية) لا عبرة بعموم اللفظ، إنما المعتبر خصوص السبب، فلا يتعداه، (بل يقصر عليه، إلا لدليل)، فيحكم بطهورية ماء بئر بضاعة، وطهر إهاب تلك الشاة فقط.

  (لنا:) أن (الدليل) إنما (هو اللفظ لا السبب)، واللفظ عام، فلا يجوز العدول عن ظاهره لغير دلالة، وخصوص السبب لا يصلح معارضاً، إذ لا منافاة قطعا، فإنه لو قال تمسكوا بهذا العموم لم يكن مناقضاً ومخالفة للظاهر.

  وأيضاً: فإن الأصل عدم المنافاة فمن أدعاها فعليه البيان وحينئذٍ يكون الحكم عاماً.

  وقد يقال: إنا لم ننكر كون اللفظ عاماً ولم نقل بأن السبب هو الدليل.

  وإنما قلنا: إن السبب قرينة تقضي بقصر العموم على ذلك السبب، والقرائن لها أثر في صرف العموم عما يقتضيه ظاهره.

  ولنا أيضا: أن الصحابة عممت أكثر العمومات مع ابتنائها على أسباب خاصة


(١) وهي: ميمونة بنت الحارث الهلالية، أم المؤمنين؛ تزوجها ÷ في عمرة القضاء، بسَرِف (بفتح المهملة، وكسر الراء، ففاء) على عشرة أميال من مكة، وبنى بها هنالك، في مرجعه من عمرته، وهما حلالان على الراجح من روايتها، وهي صاحبة القصة. (تمت لوالدنا ومولانا الإمام الحجة / مجدالدين بن محمد المؤيدي # من لوامع الأنوار ص/ ٣/ ٢٣٣).