القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[صيغ العقود إخبار أم إنشاء]

صفحة 270 - الجزء 1

  شهادتنا هذه من صميم القلب وخلوص الاعتقاد بشهادة إن واللام والجملة الإسمية، ولاشك أنه غير مطابق للواقع؛ لكونهم المنافقين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وفيه وجوه أخر مقدرة في علم المعاني.

  واحتج الجاحظ بقوله تعالى⁣(⁣١): {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَم بِهِ جِنَّةٌ}⁣[سبأ: ٨]؛ لأن الكفار حصروا إخباره # بالحشر والنشر في الافتراء على الله، أو الإخبار حال الجنة على سبيل منع الخلو، ولا شك أن المراد بالإخبار حال الجنة غير الكذب؛ لأنه قسيمه، وقسيم الشيء يجب أن يكون غيره وغير الصدق لأنهم اعتقدوا عدمه، وهم عقلاء من أهل اللسان عارفون باللغة، فيجب أن يكون من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب؛ ليكون هذا منه بزعمهم، وإن كان صادقا في نفس الأمر.

  قلنا: لا نسلم أن الافتراء هو الكذب ليكون الإخبار حال الجنة قسيم الكذب فيمتنع كونه كذبا، بل هو أخص من الكذب، فهو حصر للكذب في نوعيه العمد وغير العمد، ولو سلم أن الافتراء هو الكذب مطلقا، فالمعنى أقصد الافتراء أي الكذب أم لم يقصد، بل كذب بلا قصد لما به من الجنة، وأياً ما كان فلا واسطة.

  وهذه المسألة لغوية لا تتعلق بعلم الأصول كثير تعلق إذ المقصود تحقيق المعنى الذي وضع لفظ الصدق والكذب بإزائه فلا يجدي الإطناب فيها كثير نفع.


(١) قال في شرح العضد /ص ١٣٠ / واحتج أي الجاحظ بقوله تعالى {أَفْتَرَى ... الآية} وجه الاستدلال أن المراد الحصر فيهما أي في كونه افتراء، أو كلام مجنون، فعلى تقدير كونه كلام مجنون لا يكون صدق؛ لأنهم لا يعتقدون كونه صادق، وقد صرحوا بنفي الكذب عنه لكونه قسيمه، وما ذلك إلا لأن المجنون لا يقول عن قصد واعتقاد.

والجواب أن المراد أفترى أم لم يفتر فيكون مجنون لأن المجنون لا افتراء له، والكاذب من غير قصد يكون مجنون، أو المراد أقصد فيكون كاذبا، أو لم يقصد فلا يكون خبرا، والحاصل أن الافتراء أخص من الكذب، ومقابله قد يكون كذبا، وإن سلم فقد لا يكون خبراً. أ هـ.