القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[صيغ العقود إخبار أم إنشاء]

صفحة 269 - الجزء 1

  (قلت: و) مما يدل على قول الجمهور (قوله تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ١١٦}⁣[الأنعام]، فسمى متبع الظن خارصا والخارص الكاذب) ثبت ذلك بنقل الثقات عن أهل اللغة.

  قال #: وليس المراد يتبعون الظن تارة ويخرصون تارة؛ لأن قوله تعالى: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ} ينفي عنهم إتباع كل شيء غير الظن، فلو أثبت لهم بعد ذلك إتباع غيره كان الكلام متناقضاً قطعا.

  واعلم أن القصر ينقسم إلى حقيقي وإضافي، وتحقيقي وادعائي، ومثل إن يتبعون إلاَّ الظن، لا يصح حقيقيا تحقيقيا، بمعنى أنه لا يثبت لهم إلاَّ إتباع الظن، وإنما يصح إضافيا ردا على من زعم أن إتباعهم لغير الظن، أو تردد هل يتبعون الظن أو غيره، أو أعتقد أنهم يتبعون الظن وغيره، فأثبت إتباعهم الظن ونفى غيره، مما يتوهمه المجادل، أو حقيقيا ادعائيا كأنك تجعل سائر اتباعاتهم بمثابة العدم، ويدعى أنه لا أتباع منهم لغير الظن، فإذاً لا مناقضة.

  سلمنا أنه حقيقي تحقيقي، فالمعنى ما يتبعون في قولهم: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ...} الآية [الأنعام: ١٤٨]، إلاَّ الظن، كما يشهد به السياق، ثم أخبر بأنهم قوم من شأنهم الكذب تسجيلا عليهم وحطاً من مرتبتهم، كيف وهو لو حمل على العموم لاقتضى مناقضة الآيات المصرحة بعنادهم وافترائهم، فلا يبقى في ذلك حجة.

  وهذا تقرير ليس عليه غبار، أوضح من الشمس، وأجلى من النهار، لاسيما لمن له في علم المعاني قدم راسخ، وهو فيه علم شامخ.

  واحتج النظام بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ١}⁣[المنافقون: ١]، كذبهم في قولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ...}⁣[المنافقون: ١] مع مطابقته للواقع؛ لأنه لم يطابق اعتقادهم.

  قلنا: التكذيب راجع إلى قولهم نشهد باعتبار تضمنه خبرا كاذبا وهو أن