[إمكان الاجماع في نفسه]
  من عدم الإمكان (لا وجه له)، فما ذهبنا إليه من إمكانه (لا مانع) منه.
  المقام الثاني: النظر في العلم باتفاقهم.
  وقد إدعى منكروا الإجماع أنه على تقدير ثبوته في نفسه فالعلم به محال؛ لأن العادة قاضية بأنه لا يتفق أن يثبت عن كل واحد من علماء الشرق والغرب أنه حكم في المسألة الفلانية بالحكم الفلاني، ومن أنصف من نفسه جزم بأنهم لا يعرفون بأعيانهم فضلا عن تفاصيل أحكامهم، هذا مع جواز خفاء بعضهم عمداً لئلا تلزمه الموافقة والمخالفة، أو انقطاعه لطول غيبته، فلا يعرف له أثر، أو كذبه في قوله رأي في هذه المسالة، والعبرة بالرأي دون اللفظ، وإن صدق فيما قال على أنه لا يمكن السماع منهم في وقت واحد، بل في زمان
  متطاول، فربما تغير اجتهاد بعض فرجع عن ذلك الرأي، قيل قبل قول الآخر فلا يجتمعون على قول في عصر.
  المقام الثالث: النظر في نقل الإجماع إلى من يحتج به.
  وقد إدعى منكروه أنه على تقدير حصول العلم به فإنه يستحيل نقله إلى مجتهد عادة؛ لأن الآحاد لا يفيد والتواتر بعيد، وكيف يتصور العاقل أنه يمكنه العلم القاطع بالإجماع، وهو نقل محض لا يدخله الاستدلال، وإنما يدخله الضرورة، فإذا بطلت كان ظنيا، والعلم الضروري بالإجماع يحتاج إلى العلم الضروري بانحصار العلماء، ثم تواتر النص الذي لا يحتمل التأويل عن كل فرد منهم، ومن المستحيل أن يشاهد أهل التواتر جميع المجتهدين شرقا وغربا ويسمعوا منهم وينقلوا عنهم إلى أهل التواتر، هكذا طبقة بعد طبقة إلى أن يتصل بنا.
  وقد أجيب عما ذكروه في المقامين بجواب واحد، وهو أنه تشكيك في مصادمة الضرورة، فإنا نعلم قطعا من الصحابة والتابعين الإجماع على تقديم الدليل القاطع على المظنون، وما ذاك إلا بثبوته عنهم، ونقله إلينا.