القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[شبه حجج المانعين بالتعبد بالقياس والرد عليها]

صفحة 424 - الجزء 1

  لأن إبطال مذهب الخصم لا يكفي في إثباته على ماتقدم، هو أنا نقطع بالجواز؛ لأنه لو فرض أن يقول الشارع إذا وجدت مشاركة فرع لأصل في علة حكمه فاثبت فيه حكمه، واعمل به أيها

  المجتهد، لم يلزم منه محال لا لنفسه ولا لغيره، وأيضا فإن (التكليف بالظن جائز)، وإن لم يؤمن فيه الخطأ (إذ قد تعلق به المصلحة)، فلا يمتنع التعبد به شرعا إذا ظن الصواب وكان الخطأ مرجوحا، فإن المظان الأكثرية لا تترك بالاحتمالات الأقلية، وإلا لتعطلت الأسباب الدنيوية والأخروية، إذ ما من سبب من الأسباب إلا ويجري فيه ذلك، ويجوز تخلف الأثر عنه والتضرر به، فإن الزرَّاع لا تزرع بيقين أن يأخذ الريع⁣(⁣١)، والتاجر لا يسافر وهو جازم بأن يربح، والمتعلم لا يتعب في متعلمه وهو يقطع بأنه يعلم ويثمر علمه ما يتعلم له إلى غير ذلك، بل العقل يوجب العمل عند ظن الصواب وإن أمكن الخطأ تحصيلاً لمصالح لا تحصل إلا به على ما لا يخفى في تتبع موارد الشرع، ومن طلب الجزم في التكاليف عطل أكثرها.

  قولك إن الظن يخطئ ويصيب فالإقدام على ما يقتضيه إقدامٌ على ما لا يؤمن قبحه، فيكون بمثابة الجهل فيقبح التكليف به فلا يجوز.

  قلنا: إذا كان مقتضاه الجزم باقتضاء الأمارة كون تجويز وقوع أحد المجوزين أرجح كان حسنا، وإن لم يطابق الواقع فهو كالخبر الصادق فلا قبح فيحسن التكليف به، وليس كذلك الجهل، إذ هو كالخبر الكاذب؛ لأنه جزم بكون الشيء كذا وهو على خلاف ذلك، فتبين حسن الظن (فجاز التعبد به).

  وأيضا فإنه: لو لم يجز التعبد بالظن لم يقع (وقد وقع) في أمور سوغ الشرع


(١) الريع: الغلِّة. تمت.