القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[الأدلة على جواز التعبد بالقياس]

صفحة 426 - الجزء 1

  أن ذلك إنما كان للشدة المطربة⁣(⁣١) وهي بعينها حاصلة في النبيذ، فإن الظن حينئذٍ قاض بأن عدم إجراء حكم الخمر عليه باجتنابه يتعلق به الضرر، فيجب العمل بالقياس؛ لأن مخالفته تفيد ظن الضرر، إذ قد علمنا أن مخالفة حكم الله سبب المضرة، والعقول مشيرة إلى دفع وجوب المضرة، فيحرم لذلك الإقدام على شرب النبيذ، إذ الإقدام عليه حينئذٍ كالجلوس تحت حائط، وقد قامت فيه أمارة السقوط.

  وتطرق الخطأ والإصابة إلى الأمارة لا يضر، ولهذا يضرب العقلاء في الأسفار ونحوها مع تجويز العطب لما كان الغالب هو السلامة.

  قولك: الظن لا يعارض ماعلمناه من قضاء العقل بإباحة شرب النبيذ فيضمحل معه، فلا يثبت له حكم.

  قلنا: إنه لم يقض بإباحة شربه مطلقا، بل بشرط عدم أمارة المضرة، وقد وجدت، فلا معارضة بينهما، فثبت وقوع التعبد به عقلا.

  ولنا من جهة السمع (إجماع الصحابة)، فإن عملهم بالقياس تكرر وشاع وذاع ولم ينكره عليهم أحد، (فكانوا ما بين قائس، و ساكت سكوت رضى، و) هذا الإجماع وإن كان سكوتيا وهو ظني فإنه ههنا؛ لأن (المسألة قطعية) يكون قطعيا لا ظنيا؛ لقضاء العادة قطعا، بأن السكوت على مثل هذا الأصلي الكلي الداعي لا يكون إلا عن وفاق.

  قال ابن الحاجب: ولأنه ثبت بالتواتر عن جمع كثير منهم أنهم عملوا بالقياس عند فقد النص والعادة تقضي بأن إجماع مثلهم في مثله لا تكون إلا عن قاطع فيوجد قاطع على حجيته قطعاً، وما كان كذلك فهو حجة قطعا فالقياس حجة


(١) وهي الإسكار. تمت من هامش المخطوطة [أ].