القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[أنواع الحقائق]

صفحة 42 - الجزء 1

  (و) أما عدم امتناعه من جهة الحكمة؛ فلأنه يعلم (حسنه مع) حصول (القرينة) المخرجة له عن حيز التلبيس، حيث أريد به غير ما وضع له مع ما فيه من المبالغة والاختصار؛ لأن لفظ الحمار أبلغ في الإبانة عن المراد من بليد، وأخصر من بليد، كبلادة الحمار، (و) أيضاً فقد (وقع)، وإنه دليل الجواز، وذلك (في قوله) تعالى ({وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}) [يوسف: ٨٢] والمراد أهل القرية، ففيه نقصان، وفي قوله تعالى: ({وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ}) [الإسراء: ٢٤]، فإن هذا استعارة بالكناية؛ لأنه جعل الذل والتواضع بمنزلة طائر⁣(⁣١)، فأثبت له الجناح تخييلا⁣(⁣٢)، وهو في القرآن كثير، نحو: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا}⁣[مريم: ٤]، {يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ}⁣[الكهف: ٧٧]، {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}⁣[البقرة: ١٥]، {الْغَائِطِ} فإن اشتعال الرأس شيبا استعارة لانتشار بياض الشيب في سواد الشباب، وإرادة الجدار استعارة لإشرافه على السقوط، واستهزاؤه بالمنافقين استعارة عما يفعل بهم من إنزال الهوان والحقارة، والغائط مجاز عن الفضلات التي تقع في المطمئن من الأرض.

  قالو: المجاز كذب لأنه ينفى فيصدق نفيه، فلا يصدق هو وإلا لصدق الإثبات والنفي معا وهو باطل.

  قلنا: إنما يصدق النفي وهو للحقيقة، ولا يلزم كذب الإثبات إلا لو كان لها.

[أنواع الحقائق]

  (مسألة: والحقائق ثلاث، لغوية وهي: ما استعمل في الوضع الأصلي)، فقولنا ما استعمل كالجنس يشمل الحقائق كلها، وقولنا في الوضع الأصلي فصل لها عما سواها، وذلك كالأسد للحيوان المفترس، والإنسان والفرس، والسماء والأرض لمسمياتها المعروفة.


(١) المخصص بالمشبه به هو الطائر. تمت من هامش المخطوطة [أ].

(٢) أن المشبه من جنس المشبه به. تمت من هامش المخطوطة [أ].