القسطاس المقبول الكاشف لمعاني معيار العقول،

الحسن بن عزالدين المؤيد (المتوفى: 929 هـ)

[خامس طرق العلة المناسبة]

صفحة 506 - الجزء 1

  كالإسكار للتحريم فإنا بالنظر في المسكر وحكمه ووصفه نعلم منه كون الإسكار مناسبا لشرع التحريم، وكالقتل العمد العدوان فإنه بالنظر إلى ذاته مناسب لشرع القصاص.

  (و) اعلم أن (المناسب) بمقتضى ما ذكرنا (هو الوصف) الذي تتعين عليته بمجرد إبداء المناسبة لا بنص ولا بغيره، ويقال في الاصطلاح على ما هو أعم من ذلك، وهو الوصف (الذي يقضي العقل بأنه الباعث على) شرعية (الحكم).

  وقد يقال إن كونه باعثا على الحكم، بمعنى أنه يحصل من ترتيب الحكم عليه ما يكون مقصوداً من شرعية الحكم، وذلك إنما يعرف بكونه مناسبا، فلو عرف كونه مناسبا بذلك كان دوراً، وأيضا فإنه لم يصرح فيه بالظهور والانضباط، وذلك محتاج لما ستعرفه.

  وقال ابن الحاجب هو وصف ظاهر منضبط يحصل عقلا من ترتيب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا، أي للعقلاء لا للشارع، وإلا لزم الدور المذكور آنفا، والمقصود إما حصول مصلحة وهي اللذة ووسيلتها، أو دفع مفسدة وهو الألم ووسيلته وكلاهما نفسي وبدني دنيوي وأخروي، وإنما كانت هذه الأمور مقصودة للعقلاء؛ لأن العاقل إذا خُيِّر أختار المصلحة ودفع المفسدة، وما هو كذلك فإنه يصلح مقصودا قطعا، واحترز بقوله عقلا عن الشبه وبالظاهر والمنضبط عن الخفي والمضطرب؛ لأن العلة لابد أن تكون معرفة للحكم، وإذا كان الوصف خفيا أو غير منضبط لم يعرف، فكيف يُعرَّف به الحكم فما يصلح معرفا لابد أن يكون ظاهرا منضبطا، فالوصف الذي يحصل المقصود من ترتيب الحكم عليه إن كان ظاهرا منضبطا أُعتبر علة، وإلا أُعتبر وصف ظاهر منضبط يلازم ذلك الوصف الذي يحصل المقصود من ترتيب الحكم عليه ملازمة عقلية أو عرفية أو عادية، بمعنى أن ذلك الوصف يوجد بوجود ملازمه الظاهر المنضبط، فيجعل الملازم معرفا للحكم، ويعبر عنه بالمظنة.