[هل للمفتي أن يفتي بالحكاية عن غيره]
  في ذلك تفصيل قد شملته المسألة، وهو أن السائل إن أطلق السؤال وكان المعهود بالعرف هو السؤال عن قول غيره فإنه لا يفتي إلا به، سيما حيث السائل ممن له طرف تمييز، وإلا يكن العرف كذلك أو قيد، فسأله عما عنده فإنه (ليس للمفتي) حينئذٍ (أن يفتي بغير اجتهاده إذ سأله) المستفتي (عما عنده).
  فالجواب بغيره غير مطابق للسؤال، ومن حقه المطابقة.
  وقال (الشيخ أحمد) الرصاص يجب أن يفتيه حينئذٍ باجتهاده (وإلا لجاز إفتاء العامي من الكتاب، وهو خلاف الإجماع)، وتحرير دليله أنه لو لم يجب على المفتي إذا سئل عما عنده أن يفتي باجتهاده، لجاز من العامي أن يفتي من أي كتاب وقف عليه، لكنه لا يجوز ذلك من العامي بالإجماع، فلا يجوز من المفتي أن يفتي حينئذٍ بغير اجتهاده، لكنه يرد على الشيخ سؤال الإستفسار، فيقال ما معنى العامي؟ فإنه يقال للصرف الذي لا هداية له، ولمن لم يكن مجتهدا.
  ويجاب بأنه أراد الأول إذ من لا هداية له لا يصح توليه للفتوى للإجماع على أن من حق المفتي أن يكون ذا بصيرة باجتهاد أو تقليد.
  ويمكن أن يريد الثاني، والمعنى أنه لا يفتي بما يجد في الكتب غير مستند إلى بعض طرق الرواية عن الغير لكن دليله فاسد من حيث عدم صحة التلازم، وأنى له أنه إذا جاز للمجتهد أن يفتي بقول غيره أنه يجوز للعامي ذلك، {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}[الزمر: ٩]، فالفرق ظاهر، وليس للشيخ عن هذا محيص.
  نعم وقد قيل إنه ينبغي أن العامي المميز إذا سئل والقصد عما يدين به ويختاره لنفسه فإنه يكون بمثابة المجتهد فيفتيه بمذهب إمامه.
  (فإن سئل) المفتي مطلوبا منه (الحكاية جازت) بل لم يتجه غيرها ليتطابق السؤال والجواب.