[حقيقة الدليل اصطلاحا]
  نفسه ظهر له أن بعض التصورات والتصديقات حصل له بلا طلب وكسب، وأن بعضا منها يحتاج في حصوله إلى ذلك، ومن أنكر شيئا من هذه الأقسام، فهو إما معاند يجحد الحق فيعرض عنه؛ لأن المكابرة تسد باب المناظرة، وإما جاهل بمعنى ما أنكره فيفهم معناه ليرجع إلى وجدانه ويعود عن إنكاره.
  (فالتصور الضروري) هو: (ما لا يتقدمه تصور) تقدماً (يتوقف) تحققه (عليه لانتفاء التركيب في متعلقه) إذ متعلقه مفرد كالوجود والشيء، ولا يطلب بحد إذ لا حد له، فإن الحد تمييز أجزاء المفرد ولا أجزاء له.
  (والمكتسب بخلافه) وهو: ما كان متعلقه مركبا فتطلب مفرداته لتعرف متميزه، وذلك حده فكل مركب مكتسب بالحد ولا شيء من الضروري لبساطته كذلك.
  وقد يقال: إن تصور المركب قد يكون ضروريا إذ لا يلزم من توقفه على مفرداته الغنية عن الإكتساب أن تطلب فيحد بها، وقد خرج عن تعريف الضروري فلا يكون جامعا، ودخل في حد المكتسب فلا يكون مانعا، وأيضا فإن تصور البسيط قد يكون مكتسبا بالرسم، وقد خرج عن حد المكتسب، إذ لا تركيب في متعلقه فلا يكون جامعاً، ودخل في حد الضروري لانتفاء التركيب فلا يكون مانعا.
  (والتصديق الضروري) هو (ما لا يتقدمه تصديق يتوقف عليه)(١) كالعلم بوجود العالم إذ لم يتوقف العلم بانتساب الوجود إلى العالم على تقدم العلم بحصول نسبة أو لا حصولها.
(١) كالعلم بوجود العالم، والعلم بأحوال النفس، يعني من كونه مشتهياً ونافراً ومتألماً ومتلذذاً، فإن ذلك تصديق لأنه علم بنسبته أمراً إلى ذات، ولم يقف العلم بهذه النسبة على العلم بنسبة أخرى، قبل هذه النسبة وإنما هي توقف على تصور المنسوب إليه فقط. انظر منهاج الوصول إلى معيار العقول ص ٨٢٧.