[حقيقة الدليل اصطلاحا]
  مسألة: إذا تصورنا نسبة أمر إلى آخر من حيث ثبوته له أو انتفائه عنه، وشككنا في ذلك المتصور الذي هو النسبة الثبوتية أو السلبية، فترددنا بين إثباتها ونفيها، فقد علمنا ذينك الأمرين والنسبة ضرباً ما من العلم؛ أما النسبة فلأنا لا نشك فيما لا نعلمه أصلا، وأما الأمران فلاستحالة العلم بها دونهما، فلنا في هذه الحالة ضرب من الإدراك ثم إذا زال الشك وحكمنا بأحد طرفي المتصوَّر من الإثبات أو النفي، فقد علمنا تلك النسبة ضرباً آخر من العلم؛ لأن الأمرين باقيان على حالهما، وهذا الضرب من الإدراك متميز عن الأول بحقيقته وجدانا وبلازمه المشهور وهو احتمال الصدق والكذب، وتنافي اللوازم دال على اختلاف حقائق ملزوماتها، فقد تقرر (و) توضح أن (العلم) نوعان متمايزان لأنه (إمَّا) أن يتعلق (بمفرد فتصوَّر)، والمراد بالمفرد ما عدا حصول النسبة ولا حصولها فيدخل فيه ما لا يشتمل على نسبة وما فيه نسبة تقييدية أو إنشائية أو خبرية، لم يرد فيها أحد طرفيها بعينه، فإدراك كل واحد منها تصور، ويسمى عند بعضهم معرفة، أو يتعلق بنسبة والمراد حصولها فتصديق وهو إدراك أن النسبة الخبرية واقعة، أو ليست بواقعة، (ويسمى) عند بعضهم (معرفة، أو) يتعلق (بنسبةٍ) والمراد حصولها (فتصديق) وهو إدراك أن النسبة الخبرية واقعة، أو ليست بواقعة، (ويسمى) عند بعضهم (علما)، فلفظ العلم يطلق على المقسم وعلى القسم الثاني منه إما بالاشتراك بأن يوضع بإزائه أيضا، وإما بغلبة استعماله فيه لكونه مقصودا في الأغلب، وإنما يقصد الأول لأجله، وإنما سمي الأول معرفة، والثاني علما، لما نسمعه من أئمة اللغة أن المعرفة تتعدى إلى واحد والعلم يتعدى إلى إثنين (وكل) واحد (منهما) ينقسم إلى قسمين لأنه:
  (إما ضروري) يحصل بلا طلب.
  (أو مكتسب) لا يحصل إلا بالطلب.
  ووجود الأقسام الأربعة وجداني لا يحتاج إلى استدلال، فإن العاقل إذا راجع