فرع: [في جواز تقديم الأمر على وقت الفعل]
  عليه اللغة، وذلك لأن الكلام في أوامر الشرع بعرفه هو المقدم، وإنما قلنا بأنه غلب في ذلك؛ لأن الإباحة هي السابقة إلى الفهم في نحو: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢] {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا}[الجمعة: ١٠] «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها».
  (قلنا:) قد ثبت أنه موضوع في اللغة والشرع للوجوب، (و وروده بعد الحظر، لا) نسلم أنه يقتضي الأغلبية، فلا يسبق منه حينئذٍ إلى الفهم الإباحة، فلا (يغير) ذلك (موضوعه) كما ذكرتم، فلا يحمل على غيره (إلا لقرينة)، وهي في الإثنين، كون جلب المنفعة الدنيوية غير واجبة شرعا، إلا حيث فيها دفع ضرر، فاقتضى ذلك مصير الأمر للإباحة.
  قال المصنف: ويؤيد ذلك أنه لم يقتض الإباحة في الحديث لعدم القرينة، بل الندب لدلالة القرينة عليه.
  وقد يقال: إنهم إنما قالوا باقتضائه حينئذٍ للإباحة عند تجرده من القرائن الصارفة عنها، وقد قامت القرينة هنا على إرادة غير الإباحة فلا يضر.
  قال أبو الحسين: وما ذكروه من الأمثلة لا يعتمد عليها إذ المذهب لا يثبت بالأمثلة.
  وقد يدفع ما ذكره بأنه إنما جيء بها للتفهيم والتعليم لا للاستدلال وإثبات المذهب بذلك، وقد عورض ما ذكروه من تلك الأمثلة بنحو أمر الحائض والنفساء بالصلاة والصيام بعد النهي عنهما.
  وأما ما قيل من أن الغلبة إنما هي قرينة مرجحة فيما لا أصل له يرجع إليه عند الشك، والأمر له أصل مقطوع بثبوته، فلا ينتقل عنه لأمارةٍ ظنية، وهي الأغلبية، فغير صحيح، فإن البراءة الأصلية مقطوع بها، وهو ينتقل عنها لأمارة ظنية كخبر الواحد، وأيضاً فكان يجب ألا تثبت حقيقة عرفية لا عامة ولا خاصة إلا أن يقترن