مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الصلاة عند القبور]

صفحة 134 - الجزء 1

[الصلاة عند القبور]

  قَالَ: «وفي البُخَارِيِّ⁣(⁣١) أنَّ عُمَرَ بْنَ الخطَّابِ رَأَى أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ، فَقَالَ: القَبْرَ القَبْرَ».

  الْجَوَابُ: أَنَّ فِعْلَ أَنَسٍ يَنْقُضُ مَا ادَّعَيْتَهُ مِنَ الإِجْمَاعِ عَلَى النَّهِي، وَقَوْلُ عُمَرَ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَا دَلَالَة⁣(⁣٢).

  قَالَ: «وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ»».

  الْجَوَابُ: هَذَا يَنْقُضُ عَلَيْكَ مَا خَرَّجْتَهُ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْمَقَابِرِ لِلإِشْرَاكِ؛ إِذْ قَدْ قَرَنَهَا بِالْحَمَّامِ، وَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ ذَلِكَ.

  وَهْوَ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ - بِاتِّخَاذِهَا مَسْجِدًا - الصَّلَاةُ عَلَيْهَا، وَفِيهِ نَقْضٌ لِمَا أَبْرَمْتَ.

[حديث «لا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلا تُصَلُّوا إِليْهَا»]

  قَالَ: «وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ إِلَى القَبْرِ، فَلَا يَكُونُ القَبْرُ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْقِبْلَةِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ⁣(⁣٣): أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ÷ قَالَ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إِليْهَا»».

  الْجَوَابُ: أَنَّ مَفَادَ الْحَدِيثِ - وَهْوَ قولُهُ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى القُبُورِ» - خِلَافُ مُدَّعَاكَ مِنْ أَنَّهَا لَا تُحْتَرَمُ وَلَا تُعَظَّمُ، كَمَا سَيَأْتِي لَكَ تَشْبِيهُهَا بِمَسْجِدِ الضِّرَارِ، وَقَوْلُكَ: «وَيَجِبُ هَدْمُهَا وَطَمْسُهَا».


(١) صحيح البخاري (ص/٩١) ط: (العصرية) في (باب هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانُهَا مَسَاجِدَ).

(٢) قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) (١/ ٦٩٠) في الكلام على أثر عُمَرَ هذا: «الدَّال عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لاَ يَقْتَضِي فَسَادَ الصَّلاَةِ، ... ، وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِعَادَةِ): اسْتَنْبَطَهُ مِنْ تَمَادِي أَنَسٍ عَلَى الصَّلاَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي فَسَادَهَا لَقَطَعَهَا وَاسْتَأْنَفَ».

(٣) صحيح مسلم برقم (٢٢٥٠).