[تحقيق عدم الحصر في حديث العرض بما في السنة على موافقة الكتاب أو مخالفته]
[تحقيق عدم الحصر في حديث العرض بما في السنة على موافقة الكتاب أو مخالفته]
  ومَنْ لم يُحْسِنِ النَّظَرَ في مَعْنَى الخبرِ الشريفِ تَوَهَّمَ حَصْرَ ما في السُّنَّةِ عَلَى مُوَافَقَةِ الكتابِ أو مُخَالَفَتِهِ، ومِنْ هنا أُتِيَ؛ لأنَّه حَمَلَ الْمُوَافَقَةَ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ ولا إشكال، وحَمَلَ الْمُخَالَفَةَ عَلَى الْمُغَايَرَة، فلم يَبْقَ له عِنْدَهُ في السُّنَّة ثَمَرَة؛ لأنَّه إنْ وَافَقَ - أي أَتَى بِمْثِلِ الْحُكْمِ الذي في الكتاب - فليس إلَّا مؤكِّدًا، وإنْ خَالَفَ - أي لم يأتِ بِمِثْلِهِ - كان مردودًا، ولَزِمَ عَلَى كلامِهِ هذا أنْ لا تُفِيدَ السُّنَّةُ حُكْمًا مؤسِّسًا.
  وقد أَزَالَ الإمامُ ~ ما كان مُلْتَبِسًا بِحُجَجٍ مُشْرِقَةِ الصَّبَاح، مُسْفِرَة المصباح.
[الحجة على قَبول القسم الخامس]
  قال #: «وَهَذَا(١): الصَّحِيحُ قَبُولُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ}[الحشر ٧]، وَهو نَوْعٌ مِن الْعَرْضِ الْجُمْلِيِّ، وَلِقَوْلِهِ ÷: «أُعْطِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ»، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ}[الأحزاب ٢١]، إِلَى غَيْرِ ذَلك ...»، إلخ كلامِهِ #.
[جواب الإشكال الوارد بسبب بعض الروايات، وحمله على المجاز]
  فإن قيل: قد ورد: «مَا رُوِيَ عَنِّي فَاعرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ فَمَا وَافَقَهُ فَهْوَ مِنِّي، وَمَا لَمْ يُوَافِقْهُ فَلَيْسَ مِنِّي»، فإذا حُمِلَتِ الْمُوَافَقَةُ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ لَزِمَ أَن لا يُقْبَلَ شيءٌ من السُّنَّة إلَّا أَنْ يكونَ مثلُهُ في الكتاب، وهذا هو القولُ الأولُ الذي حَكَاهُ الإمامُ، واحتجَّ عَلَى سُقوطِهِ بأنَّ بعضَ الأَحكام أُخِذَت مِنَ السُّنَّةِ فقط.
  قيل: الْخَبَرُ الأَوَّلُ أَشْهَر(٢)، والأَخْذُ به هو الأَظْهَر، وحَمْلُ هذا الخبرِ عَلَى ظاهرِهِ يؤدي إلى إهدارِ أَكْثَرِ السُّنَّة، وقد قال تعالى: {وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ}، ولم يَفْصِل الدليل، فَوَجَبَ العُدُولُ إلى التأويل.
  والجمعُ بينهما مُمْكِنٌ عَلَى أَقْرَبِ الوجوه، فنقول: يُحْمَلُ قولُهُ ÷: «وَمَا
(١) أي القسم الخامس، وهو مَا لا يُمْكِنُ عَرْضُهُ، وَلا يُوجَدُ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيْزِ ما يُبْطِلُهُ وَلا ما يُصحُّه.
(٢) الذي لفظه: «... فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَهْوَ مِنِّي، وَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَلَيسَ مِنِّي وَلم أَقُلْهُ».