مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الرد على الرازي في استدلاله على جواز الرؤية بقوله تعالى {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ}]

صفحة 473 - الجزء 1

[الرد على الرازي في استدلاله على جواز الرؤية بقوله تعالى {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ}]

  وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجَبِ مَا ذَكَرَهُ الرَّازِي فِي الاسْتِدْلاَلِ عَلَى جَوَازِ الرُّؤْيَةِ، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَنْقُلَ هُنَا كَلاَمَهُ، وَالْجَوَابَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ (الْحَقِّ الدَّامِغ)، حَيْثُ قَالَ:

  وَأَمَّا الْفَخْرُ الرَّازِي فَقَدْ قَالَ: لَوْ لَمْ يَكُنْ تَعَالَى جَائِزَ الرُّؤْيَةِ لَمَا حَصَلَ التَّمَدُّحُ بِقَوْلِهِ: {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ}.

  أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَعْدُومَ لَا تَصِحُّ رُؤْيَتُهُ، وَالْعُلُومُ وَالْقُدْرَةُ وَالإِرَادَةُ وَالرَّوَائِحُ وَالطُّعُومُ لاَ يَصِحُّ رُؤْيَةُ شَيءٍ مِنْهَا، وَلَا مَدْحَ لِشَيءٍ مِنْهَا فِي كَوْنِهَا بِحَيْثُ لاَ تَصِحُّ رُؤْيَتُهَا.

  فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ: {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} يُفِيدُ الْمَدْحَ، وَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يُفِيدُ الْمَدْحَ لَوْ كَانَ صَحِيحَ الرُّؤْيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} يُفِيدُ كَوْنَهُ تَعَالَى جَائِزَ الرُّؤْيَةِ.

  وَتَمَامُ التَّحْقِيقِ فِيهِ: أَنَّ الشَّيءَ إِذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ رُؤْيَتُهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ رُؤْيَتِهِ مَدْحٌ وَتَعْظِيمٌ لِلشَّيءٍ، أَمَّا إِذَا كَانَ فِي نَفْسِهِ جَائِزُ الرُّؤْيَةِ، ثُمَّ إِنَّهُ قَدَرَ عَلَى حَجْبِ الأَبْصَارِ عَنْ رُؤْيَتِهِ وَعَنْ إِدْرَاكِهِ، كَانَتْ هَذِهِ القُدْرَةُ الكَامِلَةُ دَالَّةً عَلَى الْمَدْحِ وَالْعَظَمَةِ. فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَائِزُ الرُّؤْيَةِ بِحَسَبِ ذَاتِهِ.

  وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا وَجَبَ القَطْعُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ.

  وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنَّ القَائِلَ قَائِلاَنِ، قَائِلٌ قَالَ: بِجَوَازِ الرُّؤْيَةِ مَعَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ، وَقَائِلٌ قَالَ: لَا يَرَوْنَهُ وَلَا تَجُوزُ رُؤْيَتُهُ، فَأَمَّا القَوْلُ بِأَنَّهُ تَعَالَى تَجُوزُ رُؤْيَتُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَهْوَ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الأُمَّةِ، فَكَانَ بَاطِلًا.

  فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَائِزُ الرُّؤْيَةِ فِي ذَاتِهِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ مَتَى كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ وَجَبَ القَطْعُ بِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَهُ. فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا دَلَالَةُ