مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

(13) - الكلام على قوله تعالى: {سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ}:

صفحة 613 - الجزء 1

(١٣) - الكلام على قوله تعالى: {سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ}:

  قَالَ البَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: «{لَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشۡرَكۡنَا وَلَآ ءَابَآؤُنَا وَلَا حَرَّمۡنَا مِن شَيۡءٖۚ}، أَيْ: لَوْ شَاءَ خِلَافَ ذَلِكَ مَشِيئَةَ ارْتِضَاءٍ، كَقَوْلِهِ: {فَلَوۡ شَآءَ لَهَدَىٰكُمۡ أَجۡمَعِينَ ١٤٩}⁣[الأنعام]، لَمَا فَعَلْنَا نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا، أَرَادُوا بِذَلِكَ: أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ الْمَرْضِيِّ عِنْدَ اللَّهِ، لَا الاِعْتِذَارَ عَنِ ارْتِكَابِ هَذِهِ القَبَائِحِ بِإِرَادَةِ اللَّهِ إِيَّاهَا مِنْهُمْ حَتَّى يَنْهَضَ ذَمُّهُمْ بِهِ دَلِيلًا لِلْمُعْتَزِلَةِ».

  قَالَ مَوْلَانَا الإِمَامُ الْحُجَّةُ مَجْدالدِّين الْمُؤَيَّدِيُّ #: لَمَّا صَدَمَتْ هَذِهِ الآيَةُ الشَّرِيفَةُ وَأَمْثَالُهَا - مِنْ صَرِائِحِ الآيَاتِ البَيِّنَاتِ الْمُحْكَمَاتِ - الْمُجْبِرَةَ مِنْ جَهْمِيَّةٍ وَأَشْعَرِيَّةٍ وَنَحْوِهِمْ عَدَلُوا إِلَى التَّأْوِيلِ السَّخِيفِ، الْمَبْنِيِّ عَلَى التَّحْرِيفِ، بِأَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَشِيئَةِ الرِّضَا، وَذَلِكَ لَا يُجْدِيهِمْ نَفْعًا؛ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ وَالإِرَادَةَ وَالرِّضَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُثْبَتَ بِأَحَدِ اللَّفْظَينِ وَيُنْفَى بِالآخَرِ، فَلَا يُقَالُ: رَضِيتُ هَذَا وَمَا شِئْتُهُ وَلَا أَرَدْتُهُ، وَلَا شِئْتُهُ وَأَرَدْتُهُ وَمَا رَضِيتُهُ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَعُدَّ مُنَاقِضًا. فَكَيْفَ يُقَالُ: هِيَ مُرَادَةٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَغَيْرُ مَرْضِيَّةٍ لَهُ.

  وَالْمَعْلُومُ عَقْلًا وَنَقْلًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرِيدًا لِضَلَالِهِمْ وَافْتِرَائِهِمْ لَمَا كَانَ لِذَمِّهِمْ وَلَا تَوْبِيخِهِمْ أَيُّ مَعْنًى، فَكَيْفَ وَمَذْهَبُهُم السَّخِيفُ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَهَا، - أَيْ الْمَعَاصِيَ وَجَمِيعَ الظُّلْمِ وَالْكُفْرِ وَالفَسَادِ فِيهِم -، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ؛ لِيَأْمُروهُمْ بِمَا لَا يُرِيدُ ø مِنْهُمْ، بَلْ بِمَا أَجْبَرَهُمْ وَقَسَرَهُمْ عَلَى خِلَافِهِ، وَيَنْهَوْهُمْ عَنْ مَا أَرَادَهُ مِنْهُمْ وَشَاءَهُ مِنْهُمْ وَخَلَقَهُ فِيهِمْ، وَأَجْبَرَهُمْ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُعَذِّبُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، {وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ٤٣}⁣[الإسراء].

  وَلَوْ نُسِبَ إِلَى أَحَدِ العُقَلَاءِ أَنَّهُ يُرِيدُ الْمَعَاصِيَ، وَجَمِيعَ أَنْوَاعِ الفَسَادِ مِنَ الظُّلْمِ وَالشِّرْكِ وَالقَتْلِ وَالزِّنَا وَإِهْلَاكِ العِبَادِ، لَقَامَتْ قِيَامَتُهُ، وَتَبَرَّأَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ التَّبَرِّي، وَأَبَاهُ أَشَدَّ الإِبَاءِ، وَلَو اعْتَرَفَ بِذَلِكَ لَكَانَ أَرْذَلَ الْخَلْقِ وَأَسْخَفَهُمْ،