[بحث في الكتابة في الصخور]
[بحث في الكتابة في الصخور]
  أَمَّا الكِتَابَةُ فِي الصُّخُورِ وَنَحْوِهَا: فَأَدِلَّةُ شَرْعِيَّةِ الزِّيَارَةِ تَقْتَضِي: نَدْبِيَّةَ إِعْلاَمِهَا بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ.
  وَقَدْ أَعْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ ÷ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ¥ فِي البَقِيعِ بِحَجَرٍ، كَمَا صَحَّ ذَلِكَ(١).
  وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتُبْ؛ لأَنَّ الأَلْوَاحَ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ، فَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الكِتَابَةِ - إِنَّ صَحَّ ذَلِكَ - عَلَى كِتَابَةِ مَا لَا يَحْسُنُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ ÷: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ ...» إلخ الْخَبَرِ الْمَارِّ.
  وَالْمُوجِبُ لِذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَدِلَّةِ الزِّيَارَةِ، وَفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ.
  قَالَ: «وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَؤلَاءِ الْمُعَظِّمِينَ لِلْقُبُورِ الْمُوقِدِينَ عَلَيْهَا السُّرُجَ الَّذِينَ يَبْنُونَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالْقِبَابَ مُنَاقِضُونَ لِمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ÷ مُحَادُّونَ لِمَا جَاءَ بِهِ ...»، إِلَى قَوْلِهِ: «وَلأَنَّ فِيهِ تَضْيِيعًا لِلْمَالِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، وَإِفْرَاطًا فِي تَعْظِيمِ القُبُورِ أَشْبَهُ بِتَعْظِيمِ الأَصْنَامِ».
  الجَوَابُ: أَنَّ كَلَامَكَ يَقْتَضِي مَنْعَ تَعْظِيمِ القُبُورِ عَلَى الإِطْلاقِ، وَهْوَ خِلَافُ مَا وَرَدَ عَنِ الرَّسُولِ ÷ مِنْ قَصْدِهَا بِالزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ وَالتِّلَاوَةِ، وَأَمْرِهِ
(١) رواه أبو داود في (السنن) (٣/ ٢١٢) رقم (٣٢٠٦)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (٣/ ٤١٢)، وابن شبة في (تاريخ المدينة) (١/ ١٠٢)، عن كَثير بن زيد المدني عن المطلب، وابنُ ماجه في (السنن) برقم (١٥٦١) مختصرًا عن أنس بن مالكٍ، بلفظ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ÷ أَعْلَمَ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِصَخْرَةٍ».
وحسَّنه الحافظ ابنُ حجر في (التلخيص) (٢/ ٦٩٦) رقم (٧٩٤)، وابن الملقن في (البدر المنير) (٥/ ٣٢٥)، والألباني في (صحيح سنن أبي داود) برقم (٣٢٠٦).
وقال العيني في (شرح سنن أبي داود) (٦/ ١٥٧): «وفي الحديثِ من الفقه: جَوَازُ وَضْعِ الحجارةِ ونحوِها عند القبر للعَلَامة، وجوار جمع الرجل موتاه في حظيرةٍ واحدة، وفي هذا المعنى ما يفعله الناس من وضع الألواح على القبور، ونصبها عند رؤوس الموتى للعَلَامَة ...».
وقال الحاكم النيسابوري في (المستدرك) (١/ ٥٢٥): «إِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ إِلَى الْغَرْبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ، وَهْوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ».