[الكلام في عدم مخالفة الناسخ من السنة للكتاب على فرض وقوعه أو صحته]
  لَمْ يُوَافِقْهُ فَلَيْسَ مِنِّي»، عَلَى التجوزِ بعدمِ الْمُوَافَقَةِ عن الْمُخَالَفَة.
  ولكَ في توجيه هذا المجازِ وجهان:
  أحدهما: أَنْ يكونَ من الْمُشَاكَلَةِ، وهو أَنَّه لَمَّا تَقَدَّم قولُهُ: «فَمَا وَافَقَهُ ...» إلخ، شَاكَلَهُ بقوله: «وَمَالم يُوَافِقْهُ»، والعَلاقَةُ بين عدم الموافقة والمخالفةِ: الاطلاقُ والتَّقْييدُ؛ لأنَّ عدم الموافقة يَصْدُقُ بالمغايرة مطلقًا، سواء كان ثَمَّ مباينة ومعارضة أم لا، والمخالفة لا تَصْدُقُ إلَّا بالمغايرة مع الْمُبَايَنَةِ والمعارضة.
  وثانيهما: أن يكون من «المجازِ الْمُرْسَلِ» من أول وهلة، والعَلَاقَةُ ما بينهما من الإطلاق والتقييد.
  فهذان طريقان مسلوكان في اللسان، مأهولان عند أهلِ البيان.
  وإنْ رُمْتَ النَّظَرَ في إِعْمَالِ الخَبَرِ عَلَى مقتضَى قواعد الأصول، فلك أن تقولَ: قولُهُ ÷: «وَمَا لم يُوَافِقْهُ فَلَيْسَ مِنِّي»، مُطْلَقٌ؛ لأنَّه صادِقٌ مَعَ الْمُصَادَمَةِ وعدمِهَا، وقولُهُ ÷: «وَمَا خَالَفَهُ» مُقَيَّدٌ؛ لأنَّه لا يَصْدُقُ إلَّا مَعَ الْمُصَادَمَة، فيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى المقيَّدِ.
  وكذا ما وَرَدَ مِن هذا الباب، فإنَّه مِن نَسْجِ ذلك الجِلْبَاب.
[الكلام في عدم مخالفة الناسخ من السنة للكتاب على فرض وقوعه أو صحته]
  فَإِنْ قِيلَ: فَمَاذا يُقَالُ في النَّاسخِ من السُّنَّة لِحُكْمِ الكتاب، فإنَّه مُخَالِفٌ له في الظاهر كما قَرَّرَهُ في مباحثِ الأُصولِ أَئِمَّتُنَا $؟
  قيل: كُلَّمَا فِي الكتابِ قطعيُّ الْمَتْنِ والدَّلَالَةِ في الأُصول والفروعِ عَلَى الصحيح.
  وقد عُلِمَ أَنَّه لا يُنْسَخُ القطعيُّ إلَّا بمثلِهِ.
  فإنْ تَوَاتَرَ مَثَلاً خَبَرٌ نَاسِخٌ لِحُكْمِ الكتابِ أَفَاد العِلْم، وما أَفاد العِلْمَ فَمحالٌ أَنْ يَكونَ مَكذوبًا، فيجبُ حَمْلُ قولِ الرسولِ ÷ عَلَى مَا خَالَفَهُ مِن الآحاد.
  وقد أَفَاده الإمامُ (بمفهوم الصِّفَةِ) حيثُ قال: «وَإِنْ خَالَفَتِ السُّنَّةُ الآحَادِيَّةُ رُدَّتْ».
  نعم، وفي الكتابِ ما لا يجوزُ نَسْخُهُ، عَلَى أَنَّ النَّسْخَ ليس بِمُخَالَفَةٍ عَلَى الحقيقة، وإنَّما هو بَيَانٌ لانتهاءِ الْحِكْمَةِ في بَقَاءِ الْحُكْم.