[بحث في الشورى]
  السؤال الثامن: جَمَعَتْ نَظَرِيَّةُ الإِمَامَةِ السُّلْطَةَ الدِّينِيَّةَ وَالْعَسْكَرِيَّةَ وَالْمَدَنِيَّةَ وَالْمَالِيَّةَ فِي يَدِ الإِمَامِ، وَنَظَرًا لِتَغَيُّرِ الْعَصْرِ اسْتَحَالَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مُمَارَسَةُ هَذِهِ السُّلُطَاتِ أَوْ حَتَّى الإِشْرَافَ الدَّقِيقَ عَلَيْهَا، فَهَلْ مِنْ اجْتِهَادٍ يُنَظِّمُ الفَصْلَ بَيْنَ هَذِهِ السُّلُطَاتِ؟
  الْجَوَابُ: أَنَّ الإِمَامَ - وَإِنْ كَانَ لَهُ الوَلايَةُ العَامَّةُ - فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَنْصِبَ الْوُلَاةَ وَالْكُفَاةَ وَالْحُكَّامَ، وَيُشَاوِرُ ذَوِي العَقْدِ وَالْحَلِّ، وَلا يُكَلَّفُ إِلَّا مَا يَسْتَطِيعُ القِيَامُ بِهِ، وَالإِشْرَافُ عَلَيْهِ، {لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ}[البقرة: ٢٨٦].
  فَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يَتَوَلَّى كُلَّ دَقِيقٍ وَجَلِيلٍ وَهْوَ غَيْرُ مُسْتَطِيعٍ لِذَلِكَ، وَلَا مُضْطَلِعٍ بِهِ، فَهْوَ مِنْ مُوجِبَاتِ اخْتِلالِ وَلَايَتِهِ، وَبُطْلَانِ إِمَامَتِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الفَسَادِ العَامّ، وَالإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِينَ وَالإِسْلَام.
  وَقَدْ اسْتَقَامَتِ الأُمُورُ فِي أَيَّامِ النُّبُوَّةِ وَالْخِلَافَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَحْسَنِ نِظَامٍ، وَكَانَتْ أَوْسَعَ نِطَاقًا، وَأَبْعَدَ أَطْرَافًا، وَأَعَمَّ وَلَايَةً، وَأَكْثَرَ مَهَامًّا، فَالَّذِي يَحْكُمُهُ الآنَ حَوَالِي أَرْبَعِينَ دَوْلَةً كَانَتْ تَحْتَ وَلَايَةِ خَلِيفَةٍ وَاحِدٍ.
[بحث في الشورى]
  السؤال التاسع: هَل الشُّورَى فِي الإِسْلَامِ مُلْزِمَةٌ أَم اخْتِيَارِيَّةٌ؟ وَكَيْفَ نَصَّتِ الْمَذَاهِبُ عَلَى ذَلِكَ، خَاصَّةً الْمَذْهَبَ الزَّيْدِيَّ الهَادَوِيَّ؟ هَكَذَا العِبَارَةُ، وَالصَّوَابُ: إِلَّا المذهب الزيدي ... إلخ.
  وَكَيْفَ تُفَسَّرُ كَلِمَةُ الشُورَى؟ هَلْ رَأْيُ جَمِيعِ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ، أَمْ غَالِبِيَّتِهِم؟، مَعَ تَعَدُّدِهِمْ فِي الأَمْصَارِ، أَمْ مَجْمَوعَة مِنْهُمْ فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ؟
  الجَوَابُ: أَنَّ القَائِلِينَ بِأَنَّ الشُّورَى طَرِيقُ الإِمَامَةِ يَجْعَلُونَهَا مُلْزِمَةً، وَقَدْ عَبَّرُوا عَنْهَا (بِالْعَقْدِ وَالاِخْتِيَارِ).
  ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهَا، فَقِيلِ: لَا بُدَّ مِنْ عَقْدِ خَمْسَةٍ مِنْ فُضَلَاءِ الحَاضِرِينَ، وَهَذَا قَولُ أَبِي عَلِيٍّ، وَأَبِي هَاشِمٍ، وَقَاضِي القُضَاةِ، وَجُمْهُورِ الْمُعْتَزِلَةِ.