مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[لا هوادة بين الله تعالى وبين أحد من خلقه]

صفحة 187 - الجزء 1

  ولعلَّهُ غرَّ كثيرًا ما يوجب التغايرَ من نحو قوله تعالى: {وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ}⁣[الحجرات: ٧]، وليس ذلك بضائر، فهو مُسَلَّمٌ أَنَّهَا غيرُ مُتَرَادِفَة، بل مختلفة المفاهيم، متعددة المعاني، لكن لا نُسَلِّمُ عدمَ جوازِ اجتماعها في صاحب المعصية من الكبائر؛ فإنَّ المعصية الواحدةَ يُطْلَقُ عليها أَسماء كثيرة متغايرة؛ لاختلاف الاعتبارات، مَثَلًا مِنْ حيثُ كونها مخالفةً للأَمْرِ تُسَمَّى عصيانًا، ومِنْ حيث كونها إخلالًا بِشُكْرِ المنعِمِ تُسَمَّى كفرانًا، وهَلُمَّ جَرَّا.

  والفَرقُ بين هذا القولِ والقولِ بنفي المنزلةِ بين المنزلتين من الخوارج وغيرهِم اختلافُ الأَحكامِ وعدمُهَا.

  فأمَّا الاصطلاحاتُ الحادثةُ فلا تُخْرِجها عن أصل الوضع، وكذلك اختلافُ الأَحكامِ والمعامَلاتِ في الشرع.

  وقد اختلفت أحكامُ الكافرينَ بالاتِّفَاق، فللحَربيين معاملاتٌ، وللذميين كذلك، ولم يُوجب ذلك خروجَهم عن التسمية، وعدمِ الاشتراك، وحينئذ يَعُمُّهم الوعيدُ بإبطال جميع الأعمال، والخلود في العذاب، والنكال بلا ريب ولا إشكال.

[لا هوادةَ بين اللَّهِ تعالى وبين أَحدٍ من خلقه]

  وعَلَى الجملة أنَّ مَنْ أَمْعَنَ النَّظَر في مواضع التنزيل، وكَرَّرَ البَصَرَ في مواقع التأويل: عَلِمَ أَنَّه لا هوادةَ بين اللَّهِ تعالى وبين أَحدٍ من خلقه في انتهاك شيءٍ من كبيرِ حُدوده ومحارمِه، وأَنَّه لا ينفع مُرْتَكِبَها شيءٌ وإن كان عَلَى أفضل طاعاتِهِ وأَجَلِّ مَكَارِمِه.

  وكفى بما حَكَى اللَّهُ تعالى في كتابه عن أنبيائِهِ ورسلِهِ À الذين هم أرفعُ شأنًا، وأَعْلَى مكانًا.

  وحسبُكَ ما خاطبَ اللَّهُ تعالى به خاتمَ رسلِه، وأَمينَ وحيه من قوله جلَّ شأنُه، وتعالى سلطانُه: {فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ١١٢ وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم