البلاغ المبين
(بحث في الشرط، والمختار في معنى العدالة، والإشارة إلى دليله)
  الشَّرْطُ: هُوَ اتِّصَالُ السَّنَدِ الصَّحِيحِ، أَوْ إِرْسَالُ مَنْ لَا يُرْسِلُ إِلَّا الصَّحْيِحَ.
  هَذَا فِي غَيْرِ الْمُتَوَاتِرِ، وَالْمُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ.
  وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمُخْتَارَ بِدَلِيلِهِ فِي الصِّحَةِ وَالعَدَالَةِ فِي (لَوَامِعِ الأَنْوَارِ)، وَفِي (فَصْلِ الْخِطَابِ)، وَفِي الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ (إِيضَاحِ الدَّلَالَةِ).
  وَأُفِيدُ النَّاظِرَ هُنَا أَنِّي أَشْتَرِطُ الْعَدَالَةَ الْمُحَقَّقَةَ، وَلَا أَعْتَمِدُ عَلَى رِوَايَةِ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ بِتَصْرِيحٍ أَوْ تَأْوِيلٍ.
  أمَّا الأَوَّلُ(١) فَهْوَ إِجْمَاعٌ، وَأَمَّا الثَّانِي(٢) وَهْوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَلِنَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ}، وَالرُّكُونُ هُوَ: الْمَيْلُ اليَسِير، كَمَا ثَبَتَ فِي التَّفْسِير.
  وَأَخْذُ الدِّينِ عَنْهُم مِنَ الْمَيْلِ إِلَيْهِم.
  وَلِقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ: {إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ}، وَهَذَا العُمُومُ القُرْآنِيُّ يَتَنَاوَلُ الْمُصَرِّحَ وَالْمُتَأَوِّلَ.
  وَدَعْوَى تَخْصِيصِهِ بِالإِجْمَاعِ مَرْدُودَةٌ، بَلْ لَو ادُّعِيَ الْعَكْسُ فِي الصَّدْرِ الأَوَّلِ لَمَا كَانَ بَعِيدًا، فَقَدْ نُقِلَ رَدُّ الْمُخَالِفِ نَقْلًا لَا يَرُدُّهُ إِلَّا جَاهِلٌ أَوْ مُتَجَاهِلٌ.
  وَالأَمْرُ بِالتَّبَيُّنِ يُوجِبُ عَدَمَ الاِعْتِمَادِ عَلَيْهِ، وَهْوَ الْمَطْلُوبُ، لَا الْقَطْعَ بِكَذِبِهِ، فَلَيْسَ بِمُرَادٍ، وَلَا وَجْهَ لَهُ.
  وَلِكَوْنِ الأَدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعَمَلِ الَّتِي أَقْوَاهَا بَعْثُ الرَّسُولِ ÷ لِلْتَّبْلِيغِ بِالآحَادِ، وَالإِجْمَاعُ لَمْ تَثْبُتْ فِي الْمُتَأَوِّلِ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي عَصْرِهِ ÷، وَلَا إِجْمَاعَ عَلَى غَيْرِ مَنْ ذَكَرْنَا.
  وَلَا يَرُوعَنَّكَ كَثْرَةُ القَائِلِينَ بِالْقَبُول، فَلَيْسَتِ الْكَثْرَةُ دَلَالَةَ الْحَقِّ بَلْ أَهْلُهُ القَلِيل، وَلَا الْمُجَازَفَةُ بِدَعْوَى الإِجْمَاع، وَإِنْ صَدَرَتْ مِنْ بَعْضِ ذَوِي التَّحْقِيقِ
(١) كافر وفاسق التصريح.
(٢) كافر وفاسق التأويل.