مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الكلام على قوله تعالى: {قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا ٢١}]

صفحة 128 - الجزء 1

  فَمَا هَذَا التَّكْثِيرُ وَالتَّهْوِيلُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهْوَ شَهِيدٌ.

  فَأَمَّا البِنَاءُ حَوْلَهَا فَلَيْسَ مَسْجِدًا مَالَمْ يُقْصَدْ تَسْبِيلُهُ لِلصَّلَاةِ.

[الكلام على قوله تعالى: {قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا ٢١}]

  وَأَيْضًا فَقَدْ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيۡهِم مَّسۡجِدٗا ٢١}⁣[الكهف]، وَلَمْ يُنْكِر القُرْآنُ عَلَيْهِمْ.

  وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِي شَرِيعَتِنَا مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ ÷: «لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»؛ لأَنَّ النَّسْخَ لِمَا قَدْ شُرِعَ لَا يَكُونُ بِاللَّعْنِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَرِدُ النَّسْخُ بِانْتِهَاءِ بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ الفِعْلِ.

  فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَعَنَهُم اللَّهُ لاتِّخَاذِهِمْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَوْ نَحْوَهُ قِبْلَةً، كَمَا ذَلِكَ مَعْلُومٌ.

  فَلَا بُدَّ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ مِنَ اللَّعْنِ لِلْمُتَّخِذِينَ الْمَسَاجِدَ عَلَى القُبُورِ.

  وَالْجَمْعُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِمَا وَرَدَ فِي القُرْآنِ اتِّخَاذُ الْمَسْجِدِ حَوَالَيْهِمْ وَمُحِيطًا بِهِمْ، لَا عَلَى القُبُورِ أَنْفُسِهَا. وَالْمُرَادُ بِمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ: بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا أَنْفُسِهَا⁣(⁣١).

  وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ غَلَبُوا: غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ؛ لأَنَّهُ لَا يَبْنِي الْمَسَاجِدَ إِلَّا الْمُسْلِمُونَ⁣(⁣٢).


(١) أي أَنَّ معنى اتخاذ القبور مساجد أَنْ تُتَّخَذَ القبورُ نفسها مساجدَ، بحيث يكونُ القبرُ نفسُهُ مُصَلَّى يُصَلَّى عليه؛ لأنَّ «مسجِدًا» اسمٌ لمكان السجود الذي يُسْجَدُ فيه، «كمنزِل» للمكان الذي يُنْزَلُ فيه، و «مجلِس» للمكان الذي يُجْلَسُ فيه. فمعنى اتِّخَاذ القَبر مسجدًا اتِّخَاذه مكانًا للسجود يُسجد فيه. أفاده بعض العلماء.

(٢) قال جار الله الزمخشري في (الكشَّاف): «{قَالَ ٱلَّذِينَ غَلَبُواْ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِمۡ} من المسلمين وَمَلِكِهِم وكانوا أولى بهم وبالبناء عليهم {لَنَتَّخِذَنَّ} على باب الكهف {مَّسۡجِدٗا ٢١} يُصَلِّي فيه المسلمون، ويتبركون بمكانهم».