مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الحجة على أن المطلوب: العلم في الأصول، وتخصيص العملية]

صفحة 48 - الجزء 1

[الحجة على أنَّ المطلوب: العلم في الأُصول، وتخصيص العملية]

  نعم، والتحقيق أنَّ العِلْمَ هو المطلوبُ في الأُصول والفروع، كما دَلَّت عليه أدلةُ المعقولِ والمسموع، وقد خُصِّصَتْ بعدم طَلَبِ العِلْمِ في بعض المسائل العَمَلِيَّة التي لم يَقُمْ عليها قاطِعٌ؛ لِمَا عُلِمَ أنَّ الرسول ÷ كان يَبْعَثُ بالآحَادِ في تبليغها، وعَمِلَ الصحابةُ بها مستندين إليها، وفيهم هادي الأُمَّةِ ووليُّهَا، والقائمُ بما قام به نَبِيُّهَا، بابُ مدينة العِلْم، مَنْ هو مَعَ الحَقِّ والقرآن، والحقُّ والقرآنُ معه، فخُصِّصَ بتلك العَمَلِيَّات نحو قوله تعالى: {وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ}.

  وأَمَّا تأويل العِلْمِ والظَّنِّ وحَمْلُهُمَا عَلَى خِلافِ حقيقتهما لغيرِ دليل؛ فإنَّه بلا ريبٍ تحريفٌ وتبديلٌ، والعقلُ يَرُدُّه، والاتِّفَاقُ بيننا وبينهم في العِلْمِيَّاتِ يَحُجُّه.

[تحقيق كون الظن غير مطلوب، وبقاؤه على العموم في النهي عنه، وعدم لزوم ذلك من العمل بالآحاد]

  هَذَا، وَمَنْ أَعْطَى النَّظَرَ حَقَّه، ولم يَمْلِكِ التَّعَصُّبُ والتَّقْلِيدُ رِقَّهُ، فلا يتحققُ لديه أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الظَّنَّ مَنَاطًا لشيءٍ مِنَ الأَحكام، ولا مُعْتَمَدًا في حَلٍّ ولا إِبْرَام، والأَصْلُ: بقاؤه عَلَى عمومه؛ {إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ}⁣[يونس ٣٦]؛ إِذ لا مُوجِبَ للإخراج.

  وليس التَّعَبُّدُ بالآحَادِ ونحوِهَا⁣(⁣١) يُوجِبُ الاعتمادَ عليه⁣(⁣٢)، وإن كان الظنُّ ملازمًا لها في الأَغْلَب، بل قام الدليلُ القاطعُ عَلَى العَمَلِ بها في الْعَمَلِيَّات، سواء حَصَلَ الظنُّ أم لا، أَلَا تَرى أنَّه لا يُقْبَلُ خَبَرُ فاسقِ التصريحِ وكافرِهِ إجماعًا، ولا التأويلِ، - عَلَى الحقِّ مِنْ كَوْنِ عَدَمِ العَدَالةِ سَلْب أَهْلِيَّة⁣(⁣٣) - وإنْ أَفَادَ الظَّنَّ، ويجبُ قَبولُ خَبَرِ العَدْلِ الضابطِ، وإنْ لم يَحصلِ الظنُّ، - وإن كان بَعيدًا -، والمقصودُ:


(١) أي القياس. تمت حاشية على الأصل.

(٢) أي على الظن.

(٣) وقد أفرد مولانا الإمام الحجة مجدالدين المؤيدي # لهذه المسألة مؤلفًا مستقلاً هو (إيضاح الدلالة في تحقيق أحكام العدالة)، وهو الرسالة الثانية من رسائل هذا القسم.