[بحث في أدلة التوسل من رواية القوم]
  عَلَيَّ ذَهَابُ بَصَرِي. قَالَ: «فَانْطَلِقْ فَتَوَضَّأْ وَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِي اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ».
  ولَمَّا كَانَ هَذَا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ حُجَّةً دَامِغَةً، وَبَيِّنَةً قَاطِعَة، أَبْلَغَ الجَاحِدُونَ لِشَرْعِيَّةِ التَّوَسُّلِ كُلَّ حِيلَة، وتَوَصلوا لِتَحْرِيفِهِ وَرَدِّ صَرِيحِ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ بِكُلِّ وَسِيلَة.
[بعض الشُّبَه حول هذا الحديث، والجوابُ عنها]
  (١) مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ الأَعْمَى إِنَّمَا سَأَلَ مِنَ الرَّسُولِ ÷ الدُّعَاءَ.
  وَالجَوَابُ: أَنَّا إِنَّمَا احْتَجَجْنَا بِقَوْلِ الرَّسُولِ ÷ لَا بِقَوْلِ الأَعْمَى؛ فَإِنَّهُ ÷ عَلَّمَه التَّوَسُّلَ حَيْثُ قَالَ لَهُ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِليْكَ بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِي».
  فَهَلْ شَيءٌ أَصْرَحُ مِنْ هَذَا فِي أَنَّهُ عَلَّمَهُ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِهِ، وَأَنْ يُنَادِيَهُ وَهْوَ غَائِبٌ، وَهْوَ كَنِدَاءِ الْمَيِّتِ بِلَا فَرْق(١).
  (٢) وَمِنْ ذَلِكَ مَا زَعَمُوهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِقَوْلِهِ: «أَتَوَجَّهُ بِكَ»: أَيْ بِدُعَائِكَ.
  وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا هُوَ التَّحْرِيفُ بِعَيْنِهِ، وَحَاشَا الرَّسُولَ ÷ أَنْ يُلَغِّزَ هَذَا الإِلْغَاز، وَيُعَمِّيَ هَذِهِ التَّعْمِية، وَهْوَ الْمُبَيِّنُ لِلْنَّاسِ مَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ.
  وَإِنَّ تَقْدِيرَ مِثْلِ هَذَا الَّذِي يُخْرِجُ الْكَلَامَ الصَّرِيحَ بِلَا دَلِيلٍ قَاطِعٍ هُوَ عَيْنُ التَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَأْوِيلاَتِ وَتَحْرِيفَاتِ الصُّوفِيَّةِ وَالبَاطِنِيَّة.
  وَلَوْ سَاغَ مِثْلُ هَذَا لَبَطَلَتِ النُّصُوص، وَلَمْ يَبْقَ ثِقَةٌ لِعُمُومٍ وَلَا خُصُوص.
  وَكَيْفَ يَكُونُ قَوْلُ الأَعْمَى: «ادْعُ اللَّهَ لِي» دَلِيلاً عَلَى التَّقْدِيرِ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ÷ الصَّرِيحِ لِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ وَلَا يُشِيرُ إِلَيْه، فَضْلاً عَنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْه؛ {فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ ٤٦}[الحج].
(١) وليس في شيء من روايات الحديث - عَلَى تعدد طرقها - أَنَّ الرسولَ ÷ دَعَا للأعمى، بل فيها جميعًا أنَّه ÷ قد عَلَّمَه هذا الدعاء الذي فيه صريحُ التوسل بذاته ÷ إلى الله تعالى.