مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[التسريج عند القبور]

صفحة 133 - الجزء 1

  الرِّسَالَةِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ⁣(⁣١) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ # أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ، إِلَى أَنْ قَالَ - فِي تَعْلِيمِ عَائِشَةَ لِلْزِّيَارَةِ -: «قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ ...» إلخ، وَهَذَا يُعَارِضُ مَا رَوَيْتَهُ مِنْ لَعْنِ الزَّائِرَاتِ، فَكَيْفَ تَحْتَجُّ بِهِمَا؟⁣(⁣٢).

  وَأَمَّا اتِّخَاذُهَا مَسَاجِدَ فَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ.

[التسريج عند القبور]

  وَأَمَّا اتِّخَاذُ السُّرُجِ عَلَيْهَا، فَغَايَتُهُ: تَحْرِيمُ جَعْلِ السُّرُجِ عَلَى القُبُورِ، وَالْحَقِيقَةُ: تُفِيدُ وَضْعَهَا مُبَاشَرَةً عَلَيْهَا، لَا تَحْرِيمَ التَّسْرِيجِ حَوْلَهَا وَبَعِيدًا عَنْهَا، وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ سَدَنَةِ⁣(⁣٣) الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ، وَالآمِرِينَ لَهُمْ، وَالرَّاضِينَ بِفِعْلِهِمْ - لِمُشَارَكَتِهِمْ لَهُمْ - دَاخِلِينَ فِي اللَّعْنِ مُنْذُ اتُّخِذَتْ فِيهِ السُّرُجُ إِلَى اليَوْمِ وَمَا بَعْدَهُ.

  وَلَا مَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ التَّسْرِيجَ عِنْدَ القَبْرِ النَّبَوِيِّ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى مُشَرِّفِهِ وَآلِهِ وَحَوْلَهُ مَعْلُومٌ بِالْعَيَانِ عَلَى مُرُورِ الزَّمَان.

  فَقَدْ عَمِلَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ التَّسْرِيجَ عِنْدَهَا؛ لِلْزِّيَارَةِ وَالتِّلَاوَةِ.

  فَإِنَّ صَحَّ الْحَدِيثُ فَيُحْمَلُ عَلَى وَضْعِ السُّرُجِ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لاِقْتِرَانِهِ بِعِبَادَتِهَا وَقَوْلِ الْهُجْرِ عِنْدَهَا، لَا لِمُطْلَقِ التَّسْرِيجِ.

  ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ آحَادِيٌّ لَا يُفِيدُ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الْمُحَادَّةِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ÷.


(١) صحيح مسلم بأرقام (٢٢٥٥) و (٢٢٥٦) و (٢٢٥٧) (باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها).

(٢) وقد تقدَّم زيارة سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء & لقبر عمِّها حمزة بن عبدالمطلب # كلّ جمعة.

وقال الحافظ العراقي في (تخريج أحاديث الإحياء) (٤/ ٤٧٤): «حديث ابن أبي مُلَيْكَةَ: أقبلتْ عائشةُ يومًا من المقابر، فقلتُ: يا أُمَّ المؤمنين من أين أقبلتِ؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن. قلت: أليس كان رسولُ الله ÷ نَهَى عنها؟ قالت: نعم، ثم أمر بها. [أخرجه] ابن أبي الدنيا في (القبور) بإسناد جَيِّد». قلت: ورواه أبو يعلى في (المسند) (٨/ ٢٨٤) رقم (٤٨٧١)، قال المحقق (حسين أسد): «إسناده صحيح». ورواه الحاكم في (المستدرك) (١/ ٥٣٢) رقم (١٣٩٢)، وقال الذهبي في التلخيص: «صحيح». والأدلة في هذا كثيرة.

(٣) السَّادن: الخادم. والْوَاحِدُ سَادِنٌ، وَالْجَمْعُ سَدَنَةٌ، مِثْلُ: كَافِرٍ وَكَفَرَةٍ. وَالسِّدَانَةُ - بِالْكَسْرِ -: الْخِدْمَةُ.