مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[الرد على من ادعى أن تفضيل الصحابة على ترتيب الخلافة]

صفحة 583 - الجزء 1

  فَالْمَعْنَى فَإِنَّهَا وَإِنْ بَلَغَتْ أَيَّ مَبْلَغٍ، أَوْ دَلَّتْ أَيَّ دَلَالَةٍ، أَوْ أَقَرَّ أَئِمَّتُهُم وَقُدْوَتُهُم فِي الْحَدِيثِ: إِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَقِّ أَحَدٍ مَا وَرَدَ فِي الوَصِيِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ #، فَلَا يُتَصَوَّرُ أَوْ يُقَدَّرُ أَنْ يُخَالِفَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، كَأَنَّهُمْ يُحَاشُونَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ عَنْ أَنْ تَخْرُجَ عَمَّا أَصَّلُوهُ وَأَسَّسُوهُ عَلَى طَبَقِ سُنَّتِهِم وَجَمَاعَتِهِم.

  وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ بُرْهَان، وَلَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ سُلْطَان.

[الرد على من ادَّعى أنَّ تفضيل الصحابة على ترتيب الخلافة]

  وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ أَيُّ دَلَالَةٍ لَا مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَالتَّأْسِيسِ فِي الْفَضْلِ، الَّذِي هُوَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ.

  وَإِنَّمَا صَنَعُوهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم، وَجَعَلُوهُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ، يُضَلِّلُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيهِ، وَيَعُدُّونَهُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، مَعَ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَدَّعُوا ذَلِكَ لِأَنْفُسِهِم.

  وَأَوَّلُ مَنِ ادَّعَى التَّرْتِيبَ فِي الْفَضْلِ عَلَى حَسَبِ التَّرْتِيبِ فِي الْخِلَافَةِ هُوَ مُعَاوِيَةُ.

  وَقَدْ أَجَابَ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ⁣(⁣١).


(١) من كتاب له #، إلى معاوية جوابًا. قال الشريف الرضي #: وهو من محاسن الكتب: (أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ أَتَانِي كِتَابُكَ تَذْكُرُ فِيهِ اصْطِفَاءَ اللَّهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ لِدِينِهِ، وَتَأْيِيدَهُ إِيَّاهُ لِمَنْ أَيَّدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَلَقَدْ خَبَّأَ لَنَا الدَّهْرُ مِنْكَ عَجَبًا، إِذْ طَفِقْتَ تُخْبِرُنَا بِبَلَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا، وَنِعْمَتِهِ عَلَيْنَا فِي نَبِيِّنَا، فَكُنْتَ فِي ذَلِكَ كَنَاقِلِ التَّمْرِ إِلَى هَجَرَ، أَوْ دَاعِي مُسَدِّدِهِ إِلَى النِّضَالِ، وَزَعَمْتَ أَنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الإِسْلَامِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ، فَذَكَرْتَ أَمْرًا إِنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ كُلُّهُ، وَإِنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ، وَمَا أَنْتَ وَالْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ، وَالسَّائِسَ وَالْمَسُوسَ؟! وَمَا لِلطُّلَقَاءِ وَأَبْنَاءِ الطُّلَقَاءِ وَالتَّمْيِيزَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَتَرْتِيبَ دَرَجَاتِهِمْ، وَتَعْرِيفَ طَبَقَاتِهِمْ؟!. هَيْهَاتَ لَقَدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا، وَطَفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا، أَلَا تَرْبَعُ أَيُّهَا الإِنْسَانُ عَلَى ظَلْعِكَ، وَتَعْرِفُ قُصُورَ ذَرْعِكَ، وَتَتَأَخَّرُ حَيْثُ أَخَّرَكَ الْقَدَرُ؟! فَمَا عَلَيْكَ غَلَبَةُ الْمَغْلُوبِ، وَلَا ظَفَرُ الظَّافِرِ، وَإِنَّكَ لَذَهَّابٌ فِي التِّيهِ، رَوَّاغٌ عَنِ الْقَصْدِ. أَلَا تَرَى غَيْرَ مُخْبِرٍ لَكَ وَلَكِنْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ أُحَدِّثُ، أَنَّ قَوْمًا اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَلِكُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّى إِذَا اسْتُشْهِدَ شَهِيدُنَا قِيلَ: (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ)، وَخَصَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ بِسَبْعِينَ تَكْبِيرَةً عِنْدَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ؟ أَوَ لَا تَرَى أَنَّ قَوْمًا قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلِكُلٍّ فَضْلٌ، حَتَّى إِذَا فُعِلَ بِوَاحِدِنَا مَا فُعِلَ بِوَاحِدِهِمْ قِيلَ: (الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ، وَذُو الْجَنَاحَيْنِ)، وَلَوْلَا =