مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[أصل كل فتنة]

صفحة 163 - الجزء 1

  وأَنورُ مِن بَراح⁣(⁣١)، وإذًا لكانوا قد خلعوا القناع، وكيف وهم قد غَمَّروا على الرَّعَاع أنهم من خلاصة الأشياع والأتباع، وإنما يظهر هذا منهم في الأفعال، وإن كانوا على خلاف تلك الأقوال، والعامل بما يقوله ويوجبه الدليل قليل.

  ثم نقول له: والذي يقول في كتابه المجيد: {مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨}⁣[ق]، ما حَمَلَ عَلَى هذا إلَّا النصحُ بإيضاحِ الحجَّة وبيان الْمَحَجَّة، بعد أَنْ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لا يَرْضَى بالسكوت مِنَّا، وأَنَّ الإقرارَ عليه قبيح، وأنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى له غير مُبِيح، ثم شأنك وخلاص نفسك، والنظر لِمَا يُنْجِيكَ عند حلول رَمْسِكَ⁣(⁣٢).

  فإن كنتَ لا تَرضى بقَبوله، فتلك شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عنك عَارُهَا.

  وإِنَّا بحمد اللَّه تعالى لا نُحِبُّ هلاكَ أَحَدٍ من عباد اللَّه، ونَحْرِصُ كما عَلِمَ اللَّهُ تعالى عَلَى هداية جميع خلق اللَّه {وَمَآ أَكۡثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوۡ حَرَصۡتَ بِمُؤۡمِنِينَ ١٠٣}⁣[يوسف].

[أصل كل فتنة]

  نعم، واعلم ثَبَّتَنَا اللَّهُ تعالى وإيَّاك عَلَى صِرَاطِه المستقيم، ومِنْهَاجِه القويم، أَنَّ عدم النُّزُول عند حُكْمِ اللَّهِ تعالى في هذا الشأن، والامتثال لأَوَامِرِهِ بالْجَنَان والأَركان: أَصْلُ كلِّ فِتْنَة، وسَبَبُ كُلِّ مِحْنة.

  وَعَدُوُّ اللَّهِ تعالى وَعَدُوُّنَا الشيطانُ أَوَّلُ مَنْ سَخطَ أَمَرَ اللَّهِ وَرَدَّ قَضَاءَه، ثم تَبِعَهُ كلُّ مَن نَفَخَ في أَنْفِهِ واقتاد له وألقى إليه زِمَامه⁣(⁣٣) وملك حَلَّه وإبرامه، فأنزل اللَّه تعالى به سوء النقمة، وسَلَبَ ما لديه من النعمة، وأَحَلَّ عليه اللعنة، ولم يُغْنِ عنه ما


(١) أي الشمس.

(٢) الرَّمْسُ: الْقَبْرُ. من (القاموس)

(٣) «(الزِّمَامُ): الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ فِي الْبُرَةِ أَوْ فِي الْخِشَاشِ ثُمَّ يُشَدُّ فِي طَرَفِهِ الْمِقْوَدُ، وَقَدْ يُسَمَّى الْمِقْوَدُ زِمَامًا، وَ (زَمَّ) الْبَعِيرَ: خَطْمَهُ، وَبَابُهُ رَدَّ. وَزَمَّ أَيْ تَقَدَّمَ فِي السَّيْرِ. وَزَمَّ بِأَنْفِهِ تَكَبَّرَ فَهْوَ (زَامٌّ)». تمت من (مختار الصحاح).