[الكلام على تجصيص القبور، والبناء عليها، والكتابة عليها]
  وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا رُفِعَ وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ.
  وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا رُفِعَ مِنْ قُبُورِ الْجَاهِلِيَّةِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ.
  أَوْ لَعَلَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِمْ يَعْكِفُونَ عَلَيْهَا، وَنَحو ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلِذَلِكَ قَرَنَهُ بِطَمْسِ التِّمْثَالِ.
  وَأَمَّا التَّسْوِيَةُ، فَيُحْتَمَلُ إِزَالَةُ الشُّرُفَاتِ كَمَا سَبَقَ، أَوْ إِزَالَةُ الاِرْتِفَاعِ الْمُفْرِطِ، فَلِذَا قَالَ: «إِلَّا سَوَّيْتَهُ»، وَلَمْ يَقُلْ: إِلَّا هَدَمْتَهُ.
  وَالْمَسْأَلَةُ نَظَرِيَّةٌ، لِلنَّاظِرِ فِيهَا نَظَرُهُ.
[الكلام على تجصيص القبور، والبناء عليها، والكتابة عليها]
  قَالَ: «وَنَهَى عَنْ تَجْصِيصِ القَبْرِ، وَالبِنَاءِ عَلَيْهِ، كَمَا رَوَى أَبُو دَاودَ(١)، وَالتِّرْمِذِيُّ(٢) فِي سُنَنِهِمَا عَنْ جَابِرٍ ...» إلخ.
  الْجَوَابُ: وَمَا أَوْرَدَهُ مِنَ التَّجْصِيصِ وَالكِتَابَةِ وَالبِنَاءِ مُحْتَمَلَةٌ عَلَى فَرْضِ صِحَّةِ الأَحَادِيثِ، قَابِلَةٌ لِلْتَّأْوِيلِ كَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ، وَمَعَ صِحَّتِهَا وَعَدَمِ مَا يُعَارِضُهَا الْمَسْأَلَةُ ظَنِيَّةٌ، وَهْيَ بِمَرَاحِلَ عَنِ التَّكْفِيرِ وَالتَّفْسِيقِ وَالتَّضْلِيلِ.
  وَلَمْ يَزَلِ الأَئِمَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ÷ يَبْنُونَ الْمَشَاهِدَ وَالقِبَابَ، وَيُجَدِّدُونَ مَا انْدَرَسَ مِنْهَا فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، وَيَكْتُبُونَ فِي الصُّخُورِ أَسْمَاءَ مَوْتَاهُمْ، وَالتَّعْرِيفَ بِحَالِهِمْ، بِلَا تَنَاكُرٍ مِنْهُم وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى نَشَأَ الْمُخَالِفُونَ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ مِمَّن اسْتَمَالُوهُ مِنْ أَتْبَاعِهِم، وَاسْتَهْوَوهُ مِنْ طَغَامِ رَعَاعِهِم، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَّا مَشْهَدُ الرَّسُولِ ÷ وَقُبَّتُهُ الْمُشَرَّفَةُ الَّتِي لَمْ يَسْتَطِعِ الْمُخَالِفُونَ مَحْوَ آثَارِهَا، وَلَا طَمْسَ مَنَارِهَا.
  وَقَدْ بَلَغَ بِخَبَرِ الأَثْبَاتِ مُحَاوَلَتُهُمْ لِذَلِكَ، فَمُنِعُوا بِأَمْرٍ إِلَهِيّ، وَمَانِعٍ رَبَّانِيّ، كَمَا مُنِعَ مِنْ هَدْمِ الْكَعْبَةِ أَصْحَابُ الفِيلِ، فَكَبَتَهُم اللَّهُ تَعَالَى، وَرَدَّهُمْ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا، {وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا ٢٥}[الأحزاب].
(١) سنن أبي داود (٣/ ٢١٦) رقم (٣٢٢٥).
(٢) سنن الترمذي برقم (١٠٥٢) وصححه.