[ادعاء ابن الأمير أن الفاسق من أهل البشارات، والجواب عليه، وتفسير قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ}]
  ويَتَّضح أنَّ الاستدلالَ في غايةِ الاستقامة، ونهايةِ المتانة، ولكن:
  وَمَنْ يَكُ ذَا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ ... يَجِدْ مُرًّا بِهِ الْمَاءَ الزُّلَالا(١)
[ادِّعاء ابن الأمير أنَّ الفاسق من أهل البشارات، والجواب عليه، وتفسير قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ}]
  قوله: «لأنَّ سامعَها يُجَوِّزُ أَنَّهَا لِمَنْ كان في أَعلى رُتَبِ الإيمان ...» إلخ ما في ذلك الصفح [١/ ٢٤٩].
  الجواب: أَمَّا مع تصديقِهِ بصريحِ الآياتِ فلا(٢)؛ إذ البشارةُ عامَّةٌ لكلِّ المؤمنين.
  ·(٣) وأَمَّا قولُهُ ø: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ}[النساء ١١٦]، فإنَّ مَنْ يُثَبِّتُهُ اللَّهُ تعالى عَلَى منهاج الإنصاف، ويُجَنِّبُهُ ركوبَ كاهلِ الاعتساف، لا يَرُدُّ الْمُبَيَّنَ إلى المحتَمَل، والتقييدُ للآيةِ بالتوبةِ غنيٌّ عن إبطالِهِ وإبطالِ غيره.
  ولو جَرَى عَلَى سَنَنِ أهلِه، لأَخَذَ تفسيرَهَا من مَحَلِّه، بل المرادُ بقولِهِ ø: {وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ}: أهل الصغائر؛ ببيانِ الآياتِ الموضِّحَات للمؤاخذةِ عَلَى الكبائر؛ لأنَّ الآيةَ أَفَادَتْ أَنَّ ما عدا الشركَ مغفورٌ لمن يشاء، والمشيئة مُجْمَلَة ليست مقيَّدةً بالتوبة؛ إذ هي مُكَفِّرَةٌ للشركِ وغيرِهِ.
(١) لأبي الطيب المتنبي، كما في ديوانه (٢/ ١٩٨) (مع شرح البرقوقي)، ط: (دار الكتاب العربي).
(٢) أي فلا يُجَوِّزُ أَنَّهَا لِمَنْ كان في أَعلى رُتَبِ الإيمان.
(٣) نص كلام ابن الأمير كاملًا: «إذ مرتكب المعصية غير الشرك يرجو العفوَ لسماعه قوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ}؛ فيرجو أنَّه تعالى يعفو عنه، فتشمله البشرى، ويجوِّز عدمَ العفو فلا تشمله؛ فيبقى راجيًا خائفًا فهو {يَحۡذَرُ ٱلۡأٓخِرَةَ وَيَرۡجُواْ رَحۡمَةَ رَبِّهِۦۗ}، وتأويل الآية بردِّها إلى التقييد بالتوبة قد بينَّا نحن وغيرنا بطلانَه في مَحَلِّه».