مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

مع القاضي البيضاوي في تفسيره

صفحة 604 - الجزء 1

مع القاضي البيضاوي في تفسيره

  (١) الْكَلامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذۡ قُلۡتُمۡ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهۡرَةٗ فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ ٥٥}⁣[البقرة].

  قَالَ القَاضِي البَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (أَنْوَارِ التَّنْزِيلِ، وَأَسْرَارِ التَّأْوِيلِ)، ط: (دار الفكر) (ص/١١): «{فَأَخَذَتۡكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ}؛ لِفَرْطِ الْعِنَادِ وَالتَّعَنُّتِ، وَطَلَبِ الْمُسْتَحِيلِ؛ فَإِنَّهُم ظَنُّوا أَنَّهُ تَعَالَى يُشْبِهُ الأَجْسَامَ، وَطَلَبُوا رُؤْيَتَهُ رُؤْيَةَ الأَجْسَامِ فِي الْجِهَاتِ وَالأَحْيَازِ الْمُقَابِلَةِ لِلْرَّائِي، وَهْيَ مُحَالٌ، بَل الْمُمْكِنُ أَنْ يُرَى رُؤْيَةً مُنَزَّهَةً عَنِ الْكَيْفِيَّةِ ...» إلخ.

  قَالَ مَوْلَانَا الإِمَامُ الْحُجَّةُ مَجْدالدِّين الْمُؤَيَّدِيُّ #:

  إِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَهْيَ لَيْسَتِ الرُّؤْيَةَ البَصَرِيَّةَ، فَهْيَ إِمَّا بِمَعْنَى: الْعِلْمِ اليَقِين، فَيَرْتَفِعُ الْخِلَافُ بَيْنَ مُثْبِتِهَا وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ النَّافِينَ لَهَا، وَلَمْ يَبْقَ مَعْنَى لِلْجِدَالِ وَالنِّزَاعِ، وَالاِسْتِدْلَالَاتِ بِالأَخْبَارِ الَّتِي إِنْ حُمِلَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا أَفَادَتِ الرُّؤْيَةَ الْمُكَيَّفَةَ الْمُسْتَلْزِمَةَ لِلإِحَاطَةِ وَإِثْبَاتِ الْجِهَةِ.

  وَإِنْ تُؤُوِّلَتْ وَحُمِلَتْ عَلَى مَعْنَى العِلْمِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَالنِّزَاعُ.

  وَإِمَّا بِمَعْنَى آخَرَ غَيْرِ الرُّؤْيَةِ الْمُكَيَّفَةِ، وَغَيْرِ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى العِلْمِ، فَهْوَ إِثْبَاتُ شَيءٍ لَا يُعْقَلُ، وَلَا مَعْنَى لَهُ، فَلَا مَحِيصَ مِنْ إِثْبَاتِ أَحَدِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ:

  إِمَّا أَنْ تُجْعَلَ الرُّؤْيَةُ بِمَعْنَى التَّكْيِيفِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْتَّشْبِيهِ وَالإِحَاطَةِ وَالْجِهَةِ.

  وَأَهْلُ التَّحْقِيقِ حَتَّى الأَشْعَرِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ يُنَزِّهُونَهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، فَلِذَا يَقُولُونَ: بِلَا كَيْف.

  وَإِمَّا بِمَعْنَى: الْعِلْمِ، كَمَا هُوَ أَحَدُ مَعَانِي الرُّؤْيَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَٰبِ ٱلۡفِيلِ ١}⁣[الفيل]، وَهْيَ الرُّؤْيَةُ القَلْبِيَّةُ لَا البَصَرِيَّةُ.

  وَإِمَّا بِمَعْنَى آخَرَ، فَهْوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا مَفْهُومٍ، وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ جَهَالَةٌ لَا مَعْنَى لَهُ، وَهْوَ مَعَ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْرُّؤْيَةِ البَصَرِيَّةِ.