[من تخبطات صاحب الرسالة، والجواب عليه]
  وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاَحِقُونَ»، إِلَى آخِرِ مَا أَوْرَدَهُ فِي الزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَهَا وَالاِسْتِغْفَار.
  الْجَوَابُ: هَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا ذَكَرْتَ سَابِقًا مِنْ مَنْعِ الدُّعَاءِ عِنْدَهَا، وَجَعْلِ مُعَظِّمِهَا بِذَلِكَ مُنَاقِضًا لِمَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ مُحَادًّا لِمَا جَاءَ بِهِ، فَأَنْتَ الآنَ تَسْتَدِلُّ بِالسُّنَّةِ وَفِعْلِ السَّلَفِ عَلَى شَرْعِيَّةِ الدُّعَاءِ، وَتَخْصِيصِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِفِعْلِهِ فِيهِ.
  وَفِي قَوْلِ عَائِشَةَ: كُلَّمَا كَانَ لَيْلَتُهَا يَخْرُجُ ... ، إلخ، دَلِيلٌ عَلَى تَكَرُّرِ ذَلِكَ مِنَ الرَّسُولِ ÷ وَتَأْكِيدِهِ لَدَيْهِ.
  فَقَدْ كَفَيْتَنَا بِذَلِكَ البَحْث مَؤونَةَ الرَّدِّ عَلَيْكَ، وَرَدَدْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِمَا حَرَّرْتَهُ بِيَدَيْك، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَهُ:
  يُصِيبُ وَمَا يَدْرِي وَيُخْطِي وَمَا دَرَى ... وَلَيْسَ يَكُونُ الْجَهْلُ إِلَّا كَذَلِكَ
  وَقَدْ عُدْتَ فَنَقَضْتَ مَا أَبْرَمْتَ، وَنَكَثْتَ مَا أَحْكَمْتَ بِقَوْلِكَ فِيمَا سَيَأْتِي: «وَمُحَالٌ أَنَّ يَكُونَ الدُّعَاءُ عِنْدَهُمْ مَشْرُوعًا، وَعَمَلاً صَالِحًا».
  وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُهُ عَنْ نَاظِرٍ.
  وَلَا شَكَّ أَنَّ الهَوَى يُصِمُّ الأَسْمَاعَ، وَيُعْمِي الأَبْصَارَ، {وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلٗا ٧٢}[الإسراء].
  قَالَ: «وَلَقْدَ جَرَّدَ السَّلَفُ الصَّالِحُ التَّوْحِيدَ، وَحَمَوا جَانِبَهُ، حَتَّى كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ ÷ ثُمَّ أَرَادَ الدُّعَاءَ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى جِدَارِ القَبْرِ ثُمَّ دَعَا».
  الجواب: أَنَّكَ نَاقَضْتَ بِهَذَا مَا سَبَقَ لَكَ مِنْ مَنْعِ الدُّعَاءِ عِنْدَ القُبُورِ؛ لأَنَّكَ حَكَيْتَ هُنَا أَنَّ السَّلَفَ حَمَوا جَانِبَ التَّوْحِيدِ بِمَا حَكَيْتَ مِنْ فِعْلِهِم الدُّعَاءَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ ÷(١).
(١) قال ابن قُدَامَةَ الحنبليُّ في كتابه (المغني) (٥/ ٤٦٦): «ثُمَّ تَأْتِي الْقَبْرَ فَتُوَلِّي ظَهْرَكَ الْقِبْلَةَ، وَتَسْتَقْبِلُ وَسَطَهُ، وَتَقُولُ: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ... ، اللَّهُمَّ إنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: =