[ادعاء صاحب الرسالة المخالفة للسلف، والجواب عليه]
  أَخْفَى قَبْرَهَا الوَصِيُّ، وَدَفَنَهَا لَيْلًا بِوَصِيَّةٍ مِنْهَا؛ لِئَلَّا يَحْضُرَهَا الشَّيْخَانِ، كَمَا صَحَّ ذَلِكَ بِرِوَايَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ $ وَرِوَايَاتِ الْمُخَالِفِينَ، مِنْهُم أَهْلُ صِحَاحِهِم البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ(١)، فَلَا بَأْسَ بِإِخْفَائِهَا عِنْدَ حُدُوثِ مِثْلِ هَذَا، ثُمَّ إِظْهَارِهَا عِنْدَ زَوَالِ الْمُوجِبِ، فَهْوَ مِنْ حِفْظِهَا، وَتَعْظِيمِ شَأْنِهَا.
  وَلَيْتَ شِعْرِي مَا أَرْدَتَ بِسِيَاقِ هَذِهِ القِصَّةِ؟ أَتُرِيدُ أَنْ تُعَمِّيَ وَتَنْبشَ قُبُورَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَشْرَعَ لَهُمْ أَنْ يُعَمُّوا ضَرِيحَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِين، وَقُبُورَ الأَئِمَّةِ الهَادِين؟ فَذَلِكَ يَنْقُضُ أَخْبَارَكَ الَّتِي رَوَيْتَهَا أَنْتَ فِي الزِّيَارَةِ لَهَا، وَالدُّعَاءِ عِنْدَهَا، وَخِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلِ الإِسْلَامِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَف.
[ادِّعاء صاحب الرسالة المخالفة للسلف، والجواب عليه]
  قَالَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ بَيْنَ السَّلَفِ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَأَنَّهُمْ عَلَى شَيءٍ وَالسَّلَفَ عَلَى شَيءٍ.
  رَاحَتْ مُشَرِّقَةً وَرُحْتُ مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّب
  عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ أَبُو الدَّرْدَاءِ مُغْضَبًا، فَقُلْتُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُ فِيهِمْ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ ÷ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا.
  وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسٍ بِدِمَشْق، وَهْوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟
  فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلَاةُ قَدْ ضُيِّعَتْ.
  وَفِي لَفْظٍ: مَا كُنْتُ أَعْرِفُ شَيْئًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ÷ إِلَّا قَدْ أَنْكَرْتُهُ اليَوْمَ.
  وَقَالَ الْحَسَنُ البَصْرِيُّ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ لَوْ أَنَّ
(١) البخاري برقم (٤٢٤٠) و (٤٢٤١) ط: (المكتبة العصرية)، ومسلم، رقم (٤٥٨٠) ط: (المكتبة العصرية). ورواه عبد الرزاق الصنعاني في (المصنَّف) (٥/ ٤٧٢) رقم (٩٧٧٤)، ونحوه مختصرًا في (٣/ ٥٢١) رقم (٦٥٥٦)، ورواه ابن حبان (١١/ ١٥٢ - ١٥٣) رقم (٤٨٢٣)، وأبو عَوَانَةَ (٤/ ٢٥١) رقم (٦٦٧٩)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (٦/ ٤٨٩)، وأبو جعفر الطحاوي في (شرح مشكل الآثار) (١/ ١٣٧) رقم (١٤٣)، وغيرهم.